يُعدّ الموقف الأميركي الجديد بمثابة عودة إلى السياسة التقليدية حيال عملية السلام
خليل موسى مراسل
استقبلت القيادة الفلسطينية إعلان إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عودة علاقاتها الدبلوماسية مع رام الله، واستئناف دعمها المالي للفلسطينيين، والتزامها بحل الدولتين، بالترحيب، معتبرةً أنها “خطوة إيجابية يمكن البناء عليها”. ولم يكن إعلان واشنطن عن موقفها الجديد المعاكس لإدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بالمفاجئ للفلسطينيين، إذ إن مسؤولي حملة بايدن الانتخابية أعلنوا ذلك الموقف قبل دخولهم البيت الأبيض. ومع أن القيادة الفلسطينية تعوّل على مبدأ إدارة بايدن الأساسي في سياستها الخارجية المتمثل “بالتعاون الدولي متعدد الأطراف في إطار المنظمات الدولية”، لكنها تخشى من أن يكسر ذلك المبدأ عندما يتعلق الأمر بالصراع العربي – الإسرائيلي. فإسرائيل تتمسك منذ عقود بالرعاية الأميركية الأحادية لعملية السلام والقائمة على المفاوضات الثنائية، وترفض بشدة دخول أطراف دولية وإقليمية لكسر التفرد الأميركي. لكن القيادة الفلسطينية بدأت منذ أكثر من سنتين بالمطالبة بتشكيل “آلية دولية متعددة الأطراف” تشرف على مفاوضاتها مع إسرائيل، باعتباره ذلك “محاولة لضمان نجاحها وليس تهرباً من المفاوضات الثنائية”، بحسب وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي. وقطع الفلسطينيون علاقاتهم السياسية مع إدارة ترمب منذ إعلانها نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس واعترافها بها عاصمةً لإسرائيل في نهاية عام 2017، كما رفضوا منذ عام 2018 رعايتها لعملية السلام.
الموقف من الصراع
وفي أول موقف رسمي لإدارة بايدن بشأن الصراع العربي- الإسرائيلي، أعلن القائم بأعمال السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة ريتشارد ميلز أن واشنطن تعتزم استئناف العلاقات الدبلوماسية مع القيادة الفلسطينية، وإعادة فتح البعثات الدبلوماسية، واستئناف برامج المساعدات الأميركية والمساعدات الإنسانية”. وكانت إدارة ترمب أغلقت عام 2019 القنصلية الأميركية في القدس التي يعود افتتاحها إلى عام 1844، ودمجتها بالسفارة الأميركية في القدس، وذلك بعد نحو عام على إغلاقها مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في العاصمة الأميركية واشنطن. كما أوقفت إدارة ترمب في عام 2018 تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بنحو 400 مليون دولار سنوياً، في محاولة منها لإلغاء الوكالة التي تُعتبر شاهداً على قضية اللاجئين الفلسطينيين.
وشدد ميلز خلال جلسة دورية لمجلس الأمن الدولي على أن استئناف المساعدات لا يُعتبَر “خدمة للقيادة الفلسطينية، لكنه يفيد ملايين الفلسطينيين العاديين ويساعد في الحفاظ على بيئة مستقرة تعود بالنفع على الفلسطينيين والإسرائيليين”. ويُعدّ الموقف الأميركي الجديد بمثابة عودة إلى السياسة الأميركية التقليدية حيال عملية السلام، وتراجع عن خطوات ترمب التي اعتبرها الفلسطينيون غير قانونية وعدائية. ومن ضمن تلك الخطوات إعلان ميلز عن تمسك إدارة بايدن بحل الدولتين “كسبيل وحيد لحل الصراع” مع مطالبته إسرائيل بوقف “سياسة ضم الأراضي والتوسع الاستيطاني وهدم المنازل”، إضافة إلى دعوته الفلسطينيين إلى “وقف التحريض على العنف، وتعويض أفراد سُجِنوا بسبب أعمال إرهابية”. وكانت إدارة ترمب أعلنت عام 2019 أن المستوطنات في الضفة الغربية لا تُعتبر مخالفة للقانون الدولي في خروج عن الموقف الأميركي التقليدي منذ عقود.
تصويب العلاقات
من جهة أخرى، اعتبر عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أحمد مجدلاني الموقف الأميركي الجديد أنه “خطوة إيجابية وجيّدة من الممكن البناء عليه لاستعادة العلاقات الفلسطينية- الأميركية وتصويبها على أسس الاحترام المتبادل وعلى ألا ترتبط بعملية السلام”. وطالب مجدلاني واشنطن “بإلغاء قرار الكونغرس عام 1987 باعتبار منظمة التحرير الفلسطينية منظمة إرهابية، وبالموافقة على آلية دولية متعددة الأطراف ترتكز إلى القانون الدولي لبدء مفاوضات تؤدي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وإقامة دولة فلسطينية على خطوط الرابع من يونيو (حزيران) من عام 1967”. ورفض مجدلاني اعتبار الموقف الأميركي عودةً إلى المربع الأول كما كان الوضع قبل إدارة ترمب، مضيفاً أن الفلسطينيين متمسكون برفض التفرد الأميركي بعملية السلام، معبراً عن تفاؤله بموافقة إدارة بايدن على توسيع اللجنة الرباعية للسلام لتضم أطرافاً إقليمية، إضافة إلى واشنطن وموسكو وبروكسل والأمم المتحدة. لكن أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت، باسم الزبيدي رأى في الموقف الأميركي “عودةً إلى السياسة الأميركية التقليدية” التي تقوم على “إعادة إحياء العملية السياسية باعتبارها ضمانة لتحقيق الاستقرار في المنطقة كما ترى واشنطن”. وقال الزبيدي إن القيادة الفلسطينية “ستكون في موقف أضعف من السابق بسبب الحقائق التي فرضتها تل أبيب وواشنطن على الأرض من توسع استيطاني ونقل للسفارة الأميركية إلى القدس حيث أعلنت إدارة بايدن عدم رغبتها بإرجاع السفارة إلى تل أبيب”. واعتبر الزبيدي أن إعادة التواصل بين واشنطن ورام الله سيحقق أمرين، أولهما “إظهار إدارة بايدن بموقف مختلف عن إدارة ترمب، وثانيهما إجبار الفلسطينيين على تقديم تنازلات بشأن الأسرى ودعاوى التحريض في المناهج التعليمية”.