مرة اخرى نعود لفتح ملف الاستعمار الاستيطاني الصهيوني المرعب الذي يجتاح الضفة الغربية وينهب الارض فيها مترا مترا بل وشبرا شبرا، ونعتقد ان هذا الملف اليوم هو الاهم والاخطر في المشهد الفلسطيني ويجب ان يبقى مفتوحا وان لا يغفل عنه ابدا، لأن الاستيطان يعني النهب والسلب والتهويد وإقامة حقائق الامر الواقع بهدف تخليد الاحتلال والاستيطان حسب مخططهم، وهو التحدي الاستراتيجي الاكبر امام الفلسطينيين، لذلك قد يتساءل البعض باستغراب: العالم كله منشغل بجائحة الكورونا وتداعياتها الكارثية على كل الامم والشعوب، وانت منشغل بالمستعمرة الصهيونية(اسرائيل) وسياساتها وارهابها وجرائمها ضد الشعب الفلسطيني الذي هو ايضا تحت حصار ومداهمة الكورونا…؟!، بينما يقول لي البعض الآخر: ألم تتعب…ألم تمل من الكتابة عنها حتى في ظل هذا القلق والهلع العالمي….!؟.
في الرد على هذه التساؤلات وغيرها الكثير اقول: لا لن نكل ولن نمل ابدا، فهذه بلادنا وارضنا وقضيتنا وحقوقنا التاريخية، وهذا الصراع معهم صراع وجود وبقاء يحتاج الى كل الجهود والامكانيات، وفي مقدمتها الكتابة والفكر والثقافة والاعلام.
وأقول ايضا: ان وباء الكورونا ووفقا لشهادات العلماء والتقارير الطبية المختلفة هو وباء عابر ومحدود لفترة زمنية قصيرة، بينما وباء الاستعمار الاستيطاني الصهيوني وباء مزمن ومفتوح ومستمر منذ مطلع القرن الماضي، وتداعياته على الارض والشعب والتاريخ والحقوق تداعيات وجودية ومصيرية تلحق بالشعب العربي الفلسطيني نكبة وكارثة لا حدود لها، فهو اخطر وباء على وجه الكرة الارضية…!؟
وفي هذا السياق الاستعماري الاستيطاني الصهيوني حدث ولا حرج….؟!
فنحن في المشهد الفلسطيني الراهن امام ما يمكن ان نطلق عليه”الحرب الاستيطانية الثالثة-الاولى بدأت عام1948 والثانية بعد العدوان عام 1967-كما وثقها الكاتب توفيق ابو شومر” التي بدأت طلائعها منذ منتصف شهر ديسمبر 2018، ولكنها في سياق سلسلة متصلة من المعارك الطاحنة الوجودية على اهم موقعين في الضفة الغربية وهما: القدس والخليل، ولكن، وفي الوقت الذي يتسابق فيه بعض الزعماء والوزراء والمدراء وبعض المثقفين والاعلاميين والتجار العرب على التطبيع المجاني مع الاحتلال الصهيوني، سارع عدد كبير من أعضاء “الكنيست” والوزراء من حزب “الليكود” وأحزاب يمينية أخرى الى التوقيع على وثيقة تعهدوا فيها بدعم الاستيطان والعمل على بناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية، ووفقاً لصحيفة “إسرائيل اليوم” فإن الحديث يدور عن وثيقة بادرت بطرحها حركة “نحلا” الاستيطانية، حيث تهدف إلى جمع تعهدات من وزراء وأعضاء كنيست بالعمل على توطين أكثر من مليونَيْ مستوطن في الضفة الغربية، ومن بين الوزراء والمسؤولين الذين وقعوا على الوثيقة: رئيس الكنيست -المستقيل-“يولي أدلشتاين”، والوزير “يسرائيل كاتس”، والوزير “يريف لفين”، والوزير “زئيف ألكين”، والوزير “جلعاد أردان”، والوزير “أيالت شاكيد”، والوزير “نفتالي بنيت”، والوزيرة “ميري ريغف”، والوزير “أيوب قرا”، والوزير “يوآف غالنت”.
وفي ذات السياق، ففي فلسطين الحالة مختلفة عن باقي دول وشعوب العالم، ففي فلسطين يعاني اهلنا بالاساس من “كورونات-جرائم الاحتلال”، والعالم عمليا يقف متفرجاً على هذه “الكورونات” المتفشية على نحو كارثي مزمن، وما سياسات التمييز العنصري الصهيونية الشاملة سوى احدى تجلياتها، والاحتلال الإسرائيلي في زمن «الكورونا» يضاعف الاعباء والاثقال والتداعيات على الشعب الفلسطيني، فالحكاية هناك اصبحت”كورونات” تحتاج الى جهود وامكانات وطاقات هائلة لتزيلها عن كاهل أهل البلاد، والاحتلال بطبيعة الحال لا يكترث ابدا بهؤلاء البشر حتى لو تعرضوا الى جائحات متلاحقة من الكورونات الفتاكة، وحتى لو تعرضوا الى هجوم كاروني واسع النطاق ومرعب ويهدد بالابادة الجماعية، بل يمكن القول ان الاحتلال قد يعزز ذلك ويوفر المناخات لذلك، فالهدف الكبير الاساسي على اجندته هو”الاقتلاع الشامل لأهل البلاد من جذورهم…وانهاء حضورهم العربي في فلسطين..!.
وقد جاء في احدث تقرير فلسطيني عن الاستيطان اعده المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان التابع لمنظمة التحرير، حصيلة ما جرى في الأرض الفلسطينية في العام 2020، بأنه كان الأصعب على الفلسطينيين في ظل تصاعد النشاط الاستيطاني وإرهاب المستوطنين- السبت 02 يناير 2021-.
وأشار التقرير إلى أن سلطات الاحتلال صعدت نشاطاتها الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس ، في عهد الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترمب، حيث صادقت في السنوات الثلاث الأولى من فترة رئاسته على بناء ما معدله سبعة آلاف وحدة سكنية سنويا، أي ما يقرب من ضعف متوسط الوحدات الاستيطانية في السنوات الثلاث التي سبقتها في عهد إدارة الرئيس باراك أوباما، والتي فاقت 3600 وحدة سكنية، بهدف ضم وتهويد اوسع مساحات من الارض الفلسطينية. ولم يكن العام 2020 هو الأسوأ على الفلسطينيين من الناحية السياسية فقط بعد هرولة عدد من الدول العربية نحو التطبيع المجاني مع دولة الاحتلال، وإنما من الناحية الديمغرافية كذلك، فسلطات الاحتلال تخطط لرفع عدد المستوطنين في الضفة الغربية ليصل الى نحو مليون مستوطن، ورفعت من وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية خلال العام الماضي، لتصل إلى أعلى المستويات منذ عشرين عاما.
وبدأت بسن القوانين بالقراءات التمهيدية في الكنيست لشرعنة عشرات البؤر الاستيطانية وصادقت من خلال سلطات الاحتلال على بناء نحو 6500 وحدة استيطانية، هذا في الوقت الذي قدمت فيه بلدية الاحتلال في القدس مخططا شاملا يقضي ببناء 8600 وحدة سكنية وتحديث المنطقة الصناعية “تلبيوت” وبناء مجموعة من الأبراج متعددة الاستعمالات بارتفاع 30 طابقا، الى جانب فلتان المستوطنين على مفارق الطرق واعتداءاتهم على المواطنين ومركباتهم، ومحاولة إقامة العديد من البؤر الاستيطانية التي تم إحباطها، وهدم أكثر من 1700 بيت ومنشأة فلسطينية في الوقت ذاته. ولعل من اخطر تطورات المشهد الاستيطاني ايضا في العام 2020، أن مجموعات من شبيبة التلال في الضفة الغربية المحتلة تضم أعدادا كبيرة من المستوطنين الاشد تطرفا وارهابا، بالإضافة إلى طلاب “اليشيفوت” (المعاهد الدينية اليهودية)، أقاموا غرفة عمليات للتحضير لتنفيذ مخطط الضم، قاموا من خلالها بتجنيد الناشطين وعقدوا مؤتمرا حول خطواتهم المرتقبة كما أنهم أجروا جولات ميدانية.
كما يواجه الشعب الفلسطيني منذ سنوات تهديدا حقيقيا يطلقون عليه هناك في”اسرائيل” “دويلة المستوطنين اليهود في يهودا والسامرة-اي الضفة الغربية-“، اذ بدأ هؤلاء يهددون بالانفصال عن دولة “إسرائيل” وإقامة دولتهم الخاصة المستقلة، وذلك حسب زعمهم ردًّا على أي محاولة من الحكومة الإسرائيلية للانسحاب من الضفة في إطار التسوية الدائمة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
فقد كان المستعمرون المستوطنون اعلنوا في منشور حمل عنوان “إسرائيل أرضنا” عن “مسابقة لوضع نشيد قومي واختيار علم آخر لدولتهم، وسيمنح الفائز بأحسن تصميم للعلم والنشيد بجائزة نقدية”، وجاء الإعلان عن هذا المخطط في مقال في صحيفة يديعوت أحرنوت/كتبه الراباي شالوم دوف وولفا رئيس “الطاقم العالمي لإنقاذ الشعب اليهودي” وهي المنظمة التي شكلت خصيصًا لذلك، تحت عنوان “الزلزال المقبل”، وقال الحاخام شالوم دوف في بيان له “بعد موافقة إسرائيل على إقامة دولة فلسطينية واقتراح قانون لتعويض المستوطنين تمهيدًا لإخلائهم: ف”إن الحل هو إعلان دولة-أو مستعمرة يهودية-اخرى- ذات حكم ذاتي في إطار المستعمرة الكبرى-اسرائيل-“.
وعن هذه الدولة كتب يهودا باور- في هآرتس”ان اسرائيل لا تسيطر على بضع مئات الآلاف من المستوطنين اليهود هناك، فهم يقبلون الحكم الاسرائيلي فقط اذا كان يصب في مصلحتهم، أما عندما لا يحدث ذلك وفقا لتصورهم، فهم يتجاهلونه في أحسن الاحوال وينجحون في مقاومتهم له في اسوأ الاحوال”، ويضيف :” الشرطة والسلطات الأمنية والجيش يخضعون لتهديد المقاومة النشطة المتواصل من قبل المستوطنين، ويخضعون لهذه التهديدات ، واصبح هناك دولتان، الاولى ملتزمة بالقانون الديمقراطي الغربي، والثانية بالحكم الديني المتطرف والخلاصي”.
اما الخبير بالشؤون العربية داني روبنشتاين فقد كتب بدوره في هآرتس-عن دولة المستوطنين يقول:”على خلفية اتفاق السلام مع مصر والانسحاب الاسرائيلي من سيناء أقام نشيط حركة “كاخ”، ميخائيل بن حورين، في الثمانينيات ما سماه هو ورفاقه “دولة يهودا”، وكان قصدهم رمزيا وهو الاشارة الى بديل ممكن عن السلطة الاسرائيلية في الضفة الغربية اذا ما انسحبت اسرائيل من المناطق وعندما تفعل ذلك، ولقّب بن حورين نفسه بلقب “رئيس دولة يهودا”، بعد ذلك كان من محرري كتاب “باروخ الرجل”، الذي امتدح القاتل في الحرم الابراهيمي باروخ غولدشتاين، وكان من أبطال البولسا دينورا ضد اسحق رابين”و”لكن-يضيف روبنشتاين- في العديد من الجوانب أُقيم في الضفة، برعاية حكومات اسرائيل وتشجيعها، كيان سياسي ذو طابع يخصه،أي أنه نشأ فصل حيث توجد دولة اسرائيل على حدة، والضفة أو دولة يهودا على حدة”.
ونحن هنا إذ نتحدث عن دولة أو جمهورية المستوطنين اليهود الإرهابية القائمة في أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل عام ، فإننا لا نبالغ في ذلك أبداً، ذلك أن المستوطنات اليهودية المنتشرة في أنحاء الضفة والقطاع عبارة عن ترسانات مسلحة أولاً، وعبارة عن مستنبتات أو دفيئات لتفريخ الفكر السياسي والأيديولوجي الإرهابي اليهودي ثانياً ، ودفيئات أيضاً لتشكيل وانطلاق التنظيمات والحركات الإرهابية السرية في نشاطاتها وممارساتها الإرهابية ثالثاً ، فضلاً عن كونها قوة ضغط هائلة على قرارات الحكومة الإسرائيلية ونهجها الاستيطاني والتنكيلي ضد الفلسطينيين رابعاً ، وذلك رغم الحقيقة الساطعة المتمثلة بالتعاون والتكامل القائم بين الجانبين ، فلا تعارض ولا تناقض قطعاً ما بين الدولة الإسرائيلية الرسمية بمؤسساتها وأجهزتها السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والإدارية والمالية ، وسياساتها الاستيطانية ، وما بين دولة المستوطنين اليهود المنفلتة في الأراضي الفلسطينية المحتلة .
وعندما نتحدث عن دويلة أو جمهورية-والاصح مستعمرة- المستوطنين اليهود، فإننا نتوقف عند حقيقة الصفات والخصائص الأساسية ومنها العنصرية والفوقية والإرهابية التي ميزت ودمغت الحركة الصهيونية والتنظيمات الصهيونية التاريخية ، فمشروع الاستيطان اليهودي ترجمة صارخة للاستراتيجية الصهيونية على الأرض الفلسطينية ، ودولة المستعمرين المستوطنين هي نتاج عملي لتلك الترجمة.
وعندما نتحدث عن دولة المستوطنين اليهود، فإننا نتحدث عن … ، ونتوقف أمام ، مسلسل لا حصر له ، من الانتهاكات والممارسات الإرهابية الدموية التنكيلية والتدميرية الجامحة المنطلقة من صميم المستوطنات اليهودية … وكلها تجري بصورة سافرة تحت سمع وبصر وحماية الحكومة والجيش وأجهزة الأمن الإسرائيلية .
هكذا هي حقائق المشهد الاستعماري الاستيطاني الصهيوني في الاراضي المحتلة حتى في ظل هذه الجائحة الكورونية العالمية.
والمؤسف هنا: انهم يعملون هناك في المستعمرة الصهيونية حتى في ظل هذا الوباء العالمي وعلى مدار الساعة من اجل تحقيق حلمهم باختطاف الارض والوطن والتاريخ والحقوق وتهويدها هكذا بفعل القوة والارهاب، بينما يهرول بعض العرب لمنحهم الاعتراف والغطاء والشرعية بالتطبيع معهم…؟.