بالصور: الباب الذي استعصى على هولاكو.. هذا ما تبقى من أسوار الخلافة العباسية في بغداد

آية منصور-بغداد

الباب الأوسط أحد 4 أبواب بناها الخليفة العباسي المستظهر بالله (الجزيرة)

حرص الخلفاء العباسيون على صيانة مدينة بغداد عن طريق أبوابها، لما تمثّله من تحصينات دفاعية ضد الهجمات الخارجية، ولم يتركوا المدينة نهبا لرماح العدو. بهذا يبدأ الباحث الآثاري جنيد عامر حديثه عن الباب الأوسط، آخر ما بقي من أسوار بغداد العباسية.

ويشير عامر -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن هذا الباب هو أحد 4 أبواب بناها الخليفة المستظهر بالله عام 488 للهجرة، لكن الأجل وافاه قبيل اكتمال البناء ليرث ابنه الخليفة المسترشد بالله مهمة حماية وتسييج عاصمة الخلافة العباسية آنذاك وتحصينها من الاختراق.

وكان سور العاصمة عبارة عن نصف دائرة يقع على نهر دجلة، فيبدأ من منطقة باب المعظم وينتهي بمنطقة الباب الشرقي، وله 4 أبواب، واستمر بناؤه 134 سنة معاصرا حكم عدد من الخلفاء، لكن الزمن والغزوات المتعاقبة على مدينة السلام كانا كفيلين بإزالة وتهديم الأبواب جميعها، باستثناء الباب الأوسط الذي بقي شاخصا بقوة وهيبة، قرب ضريح الشيخ عمر السهروردي شرقي بغداد.

الباب القاهر لهولاكو

ويؤكد عامر أن الباب الأوسط أو باب خراسان كما يطلق عليه -لكونه مطلا على جهة الشرق في مواجهة إيران- هو الباب الثاني لبغداد العباسية، وكان أول أبوابها باب السلطان، ويفصله عن نهر دجلة 24 برجا، وبعده باب الحلبة، ثم باب البصلية.

ويشدد الباحث العراقي على أن كثيرا من الغزاة الذين تمكنوا من دخول بغداد أرادوا في البدء اقتحام المدينة من هذا الباب تحديدا، ولم يفلحوا، ومنهم القائد المغولي هولاكو، إذ حاول بكل ما يملك من قوة بجيشه الضخم هدمه مرات ومرات، ولم ينجح.

ويكمل حديثه بالقول إن موعد إغلاق الباب الأوسط كان عند أذان المغرب، وكانت تضطر القوافل التي تصل من مدن ودول بعيدة في هذا الوقت، إلى البقاء خارج المدينة إلى اليوم التالي، حتى تفتح بواباته مجددا عند الفجر.

وفي عشرينيات القرن الماضي تحول هذا الباب إلى سجن وبقي كذلك حتى عام 1936م، إذ رمّمته الآثار القديمة التابعة للحكومة العراقية، وحوّلته إلى متحف للأسلحة القديمة، وأما عام 1979م فأجريت عليه أعمال ترميم وبناء ليُترك على ما هو عليه.

أسماء كثيرة

ويستذكر رئيس منظمة “زيوسودرا” الآثارية، علي مهدي سلمان، التسميات المتعددة لهذا الباب دون غيره بسبب بقائه شامخا على امتداد 9 قرون احتضنت فيها بغداد كثيرا من المجتمعات والقبائل، ويقول إن الظفرية هو الاسم الأصلي للباب، لكنه نتيجة تقلص المساحة المسكونة داخل أسوار بغداد الشرقیة، ومن ثم زوال محالّ عدة، بات يعرف باسم جديد، هو الباب الأوسط لتوسطه سور بغداد القديم، وباب بغداد وباب خراسان، وفضّل العثمانيون أن يطلقوا عليه اسم باب سفید، وهي كلمة فارسية عثمانية تعني الأبيض.

ويتحدث سلمان -للجزيرة نت- عن تطوّع أهالي عاصمة الخلافة العباسية في تشييد أبواب السور، فقد تمكنوا من ابتداع ابتكارات عدة لتحفيز بعضهم والإسراع بإكمال البناء، مشيرا إلى أن أهالي أحد الأحياء صنعوا تنّورا يسير على عجل، وعليه خبازون يخبزون ويعطون الناس أرغفة ساخنة.. لقد كان احتفاء كبيرا بالسور وأبوابه.

وعن الأسباب التي أدت إلى تهديم جميع الأبواب باستثناء الباب الأوسط، يؤكد الباحث الآثاري علي مهدي أن التوسع العمراني وحروب العثمانيين والإنجليز تسبّبا في اندثار تلك الأبواب، ورغم تعرض الباب الأوسط لانهيارات بفعل الزمن لكن أعمال صيانته وترميمه استمرت في ثلاثينيات وسبعينيات القرن الماضي، وأجري آخر ترميم له عام 2013 ضمن مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية.

وظائف الباب

ويخبرنا مدير موقع الباب الأوسط الباحث الآثاري حسن مهدي عبد أن وظيفة الموقع لم تك دفاعية ضد الهجمات البربرية تجاه بغداد فحسب، بل كان أيضا بمنزلة سد منيع يحمي المدينة من خطر الفيضانات والأمطار.

ويتابع “وكان الباب عبارة عن بوابة لمبنى ضخم يضم غرفًا لخزن السلاح والطعام، ويصلح أن يكون منامة للجنود أيضا، كما توجد سلالم تربط المدخل بالطابق العلوي ومن ثم السطح الذي يحوي أبراج مراقبة بفتحات صغيرة تطلق منها السهام والقذائف، وهنا تتأكد مهمته الرئيسة، وهي الدفاع أو الهجوم”.

9 قرون

وللحديث عن عمران الباب وبنائه الذي تم بالجص (الجبس) والطابوق، يصف الآثاري حسن مهدي شكله وتفاصيله بالقول إنه عند رؤية الباب من مكان عال سيتبين أنه أسطواني الشكل، وتوجد فتحات ضيقة في الجدران لإطلاق السهام ضد العدو، واستخدمها الجيش العثماني لإطلاق النار في القرن الـ16.

ويكمل مهدي الوصف بالقول إن عقدا مدببا يعلو الباب ويقوم فوق دعامتين مندمجتين في الجدار، وفي كل جانب من جانبي العقد هناك أسد صغير منحوت من قطع الآجر، وتبدو الأشكال الهندسية مترابطة ببعضها بعضا، لتكوّن شريطين، ينقسمان إلى قسمين، ويكوّنان شكلا سداسيا، كما أن سياج السطح بني بشكل مسنّن، لترك فتحات للاستطلاع والرصد.

وفي الجهة الشرقية على الجدار الخارجي للباب سنجد عبارة حُفرت بخط النسخ، بقيت منها هذه الأسطر “وما زالت دعوته الهادية للدين قواما، وللإسلام نظاما، ولدولته القاهرة سكينة، وللأمة عصاما ومنزلته للسلام بإشراق أنوار سعد”.المصدر : الجزيرة