التفاهمات الجارية بين سوريا وإسرائيل… لماذا وهل تصمد؟

تل أبيب تستبق المفاوضات التي قد تتم بين طهران وواشنطن ولا بد أن تتناول المصالح والوجود الإيراني في دمشق

هدى رؤوف كاتبة 


تحدثت الأخبار منذ أيام قليلة عن لقاءات تمت منذ شهر بين مسؤولين إسرائيليين وسوريين برعاية روسية في قاعدة حميميم الروسية في شمال سوريا. قِيل إن الاجتماع لمناقشة الوجود الإيراني في سوريا، وإن إسرائيل خلال المحادثات طلبت من دمشق الاختيار بين مزيد من الضربات الإسرائيلية على أهداف في سوريا والوجود الإيراني فيها. ومن ثم، هل يمكن أن يكون هناك محادثات وتفاهمات ناجحة بين إسرائيل وسوريا؟

من المعروف أن إسرائيل حددت منذ الحرب في سوريا خطوطاً حمراء عدة لن تسمح بتجاوزها وتستدعى تدخلها لحماية الأمن الإسرائيلي، وأحد هذه الخطوط نقل الأسلحة من إيران إلى حزب الله، وأن يشكّل جنوب سوريا تهديداً لإسرائيل من جهة الشمال من خلال ترسيخ تنظيمات معادية أو قواعد وتمركزات إيرانية. لذا، يتكرر الهجوم الإسرائيلي الجوي على الأهداف الإيرانية، ومن ثم أصبح الهجوم العسكري جزءاً من الاستراتيجية الإسرائيلية للحفاظ على أمنها، مما تعتبره تهديداً استراتيجىاً داخل سوريا. والمحادثات المعلن عنها أخيراً وأنكرتها سوريا، توحي بأن هناك جهوداً سياسية توظفها إسرائيل حالياً.

الهدف واضح، هو منع ترسيخ إيران في سوريا وضد مشروع الصواريخ الباليستية التى تنقلها إيران إلى وكلائها في اليمن وسوريا والعراق، في جميع أنحاء المنطقة. وتحاول إسرائيل الآن توظيف استراتيجية متعددة الأبعاد لمواجهة هذا التهديد قائمة على الردع والدفاع.

لكن ما السياق الذى دفع إسرائيل إلى انتهاج المسار السياسي المباشر مع سوريا؟ على المستوى الدولي، ربما يكون وصول الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، والمعروفه نيته الانفتاح بشكل ما على إيران، على الرغم من أن ملامح هذا الانفتاح لم تتحدد بعد، ومن ثم تحاول إسرائيل تناول قضية الصواريخ الباليستية على الأقل داخل سوريا، ومنع أية تمركزات عسكرية لإيران أو حزب الله داخل سوريا، لا سيما في الشمال. فمن غير الواضح إذا ما كان الرئيس الأميركي سيسمح لإسرائيل باستمرار غاراتها الجوية داخل سوريا على أهداف إيرانية، ومن المحتمل أن يكون هذا أحد الملفات التي لا بد لإسرائيل من التوصل إلى تفاهمات في شأنها مع الإدارة الجديدة، أي أن تل أبيب تستبق المفاوضات التي قد تبدأ بين طهران وواشنطن، والتي لا بد من أن تتناول مصالح إيران ووجودها داخل سوريا.

أما في ما يتعلق بالسياق السوري، فالسلطات السورية تعيش وضعاً يتسم بعدم قدرة إيران على التعامل مع أية هجمات إسرائيلية، وكذلك الحياد الروسي في ما يخص تلك الهجمات، والحياد السلبي السوري تجاه التنافس الروسي – الإيراني، فضلاً عن أن المفاوضات بين سوريا وإسرائيل أتت في ظل مناخ دولي وإقليمي يتسم بالانفراج، فإقليمياً هناك انفتاح عربي إسرائيلي في ما يخص استقرار العلاقات، ومصالحة خليجية عربية مع قطر، وهزيمة دونالد ترمب وفوز بايدن. وهناك توجه عام للتهدئة. وربما يحاول الرئيس السوري بشار الأسد الاستفادة من مناخ التهدئة والانفراجة الذي تشهده أطراف اقليمية ودولية، وحتى إيران تنتظر تحقيق منفعة منه.

ومن المعروف أن محاولات التفاوض والتفاهمات بين إسرائيل وسوريا ليست جديدة، فقد شهدت فترة الرئيس الأميركي بيل كلينتون محادثات سلام بينهما، وكان هناك جولات من المفاوضات غير المباشرة برعاية تركية في العام 2007 بعد حرب يوليو (تموز) 2006 في لبنان.

مما لا شك فيه أن المحادثات التي تمت أخيراً هي اختراق مهم، لأنها ستسمح لهم بالتعامل مع بعضهم بعضاً ووجهاً لوجه، وربما يحاول من خلالها الأسد إعادة التعامل معه بشكل طبيعي. وعلى الرغم من أن بقاء الأسد اعتمد منذ بداية الحرب على الدعم الإيراني متعدد الأبعاد، فإن هذا لا يعني نجاحه الكبير وفقاً لحسابات الكلفة والمنفعة، فخسائر الأسد أكبر بكثير من خلال الاعتماد على ايران وحدها، فإيران تهدف إلى تعزيز نفوذها وترسيخه في سوريا وتعميق قبضة وكلائها فيها من خلال اختراق عميق ومتعدد الأوجه لسوريا، عبر الدفاع والاقتصاد والتعليم والمجتمع والثقافة والدين، والسيطرة على البنية التحتية الحيوية، ودعم الميليشيات الموالية لها، وتعزيز التحول الأيديولوجي والديموغرافي. فسوريا حيوية بالنسبة إلى المصالح الاستراتيجية لإيران في الشرق الأوسط، ولطالما كانت أقرب حليف لها. ولقد أتاح نظام الأسد وصول إيران إلى الشرق الأوسط ووكلائها الإقليميين على مدى سنوات طويلة، فعلى الرغم من أن سوريا كانت دائماً عنصراً أساسياً في محور إيران – حزب الله، إلا أنه يمكن القول إن الشراكة الاستراتيجية بين البلدين كانت متأثرة بالأوضاع الاقليمية وتداعياتها على كل منهما، وعلاقة كل منهما بالأطراف الإقليمية والدولية. فنظام الأسد تعامل ببراغماتية وحاول قديماً توظيف علاقته بإيران لمصلحة المساومة مع الغرب، والتقرب من الولايات المتحدة والتوسط لدى إيران للإفراج عن مسجونين فرنسيين.

والآن، في ظل التطورات الإقليمية والانفتاح الإقليمي المشار إليه، يمكن القول إن التقارب مع الأطراف الأخرى غير إيران، كالدول العربية والخليجية، والتفاهمات مع إسرائيل، ربما يفتحان الباب لتوافر المنافع الاقتصادية في شكل اتفاقات توريد النفط والاستثمار وإعادة البناء في مرحلة ما بعد التسوية السياسية.

لذا، ربما كان الحياد السلبي لبشار الأسد تجاه النشاطات الروسية والإيرانية، وتخطي وجود حزب الله وإيران الجانب العسكري في سوريا، بل التمدد في مفاصل الدولة الهشة التي تحياها سوريا، فضلاً عن الانفراجة المنتظرة في المنطقة بعد تولي بايدن، كلها متغيرات توحي بإمكان القيام بتفاهمات جديدة بين إسرائيل وسوريا، تحفظ أمن شمال إسرائيل من جهة، وتحفظ للأسد مصالحه في دولة تشاركه فيها أطراف إقليمية ودولية عدة، مما يعني وجوب رعاية عربية وخليجية بالأساس تعمل على استقطاب سوريا بعيداً من محور إيران، خصوصاً في ظل براغماتية نظام الأسد، فكون سوريا كانت تحكم من خلال أقلية علوية لا يعني أن العلاقات مع إيران أيديولوجية، بل هناك حسابات المنفعة والكلفة وتوظيف كل منهما الآخر في مواجهة الأطراف الأخرى، أي محاولة استقطاب سوريا عربياً على غرار محاولات التعامل مع العراق.