أسئلة الجيل الجديد لم تلقَ جواباً بعد من روايات الأجداد الذين شهدوا عنف تلك الحقبة
بعد حوالى 60 عاماً على انتهاء حرب الجزائر، لم تندمل جروح الاستعمار بعد لدى جزء من الشباب الفرنسي من أصول جزائرية، في وقت دعا تقرير رُفع الأربعاء 20 يناير (كانون الثاني) إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى المصالحة والتوفيق بين ذاكرة البلدين.
وتقول ليلي بوقروي (35 سنة) وهي ابنة حركي مقيمة في جنوب غربي فرنسا، إن العمل على ذاكرة حرب الجزائر تأخر كثيراً موضحة “نحن في العام 2021 ولا زلنا نتحدث عن هذا الأمر ولا زلنا نحاول القيام بما كان ينبغي قبل 40 عاماً”.
“جروح لم تلتئم”
الجزائر حاضرة في الذكريات العائلية لملايين الأشخاص في فرنسا وفرنسيين كانوا مقيمين في الجزائر اضطروا إلى مغادرتها، وحركيين جزائريين حاربوا في صفوف الجيش الفرنسي، أو مهاجرين جزائريين.
وعندما كلّف ماكرون المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا بإعداد تقرير بهذا الخصوص، أوضح الرئيس الفرنسي أنه يريد “إنجاز العمل التاريخي حول حرب الجزائر”، مضيفاً أن الذكريات المرتبطة بهذا النزاع “جروح” مفتوحة.
وترى المحللة النفسية كريمة لازالي صاحبة كتاب حول الموضوع، “الجرح يحلل فقط لدى الآخر الذي تعرض للاستعمار لكن ليس في صفوف سكان (البلد المستعمِر) إطلاقاً. وقد ألحق ذلك الكثير من الأضرار في نفوس أبناء المهاجرين”.
وثمة أضرار والكثير من الأسئلة لدى جيل، لم ترُدّ عليها بعد روايات الأجداد الذين شهدوا عنف الحرب لكنهم يلزمون السكوت في غالب الأحيان.
كسر جدار الصمت
تقول دنيا وحيد (24 سنة)، جداها لأمها جزائريان، إن الانتقال إلى سن الرشد يحمل تساؤلات حول هذه الذاكرة المدفونة. وتوضح “مع النضج بدأت بطبيعة الحال أطرح أسئلة حول ما حصل، وأرغب في معرفة المزيد عن تاريخي”.
إلا أن جدها وجدتها يلزمان الصمت حيال هذه المسألة، وهما انتقلا للإقامة في وسط فرنسا بعد الحرب بحثاً عن عمل. وتؤكد “عائلة أمي لا تطرح الموضوع بتاتاً. للمفارقة والدي مغربي وهو الذي يطرح الأسئلة”.
والرهان مزدوج بالنسبة لكريمة لازالي، فكسر جدار الصمت أساسي لكن ينبغي أيضاً “اجتثاث الاستعمار من الذهنيات” في بلد يضم وفق تقرير ستورا، مليوني شخص جزائري أو من أصول جزائرية.
ويرى مهند بنشريف (32 سنة)، صاحب شركة، حارب والده في صفوف الجيش الفرنسي قبل مغادرته الجزائر في 1963، إن تقديم الدولة الفرنسية اعتذارات أمر لازم. إلا أن فرنسا استبعدت ذلك.
ويقول هذا الفرنسي من أصل جزائري الذي ولد في ضاحية باريس، إن “الناس لا يطالبون بتعويض بل باعتراف”، موضحاً أنه لا يريد سوى اعتذارات لننتقل إلى شيء آخر. على فرنسا أن تقدم اعتذاراً لأنها لم تكن بمستوى القيم الفرنسية”.
ويقارن هذا الشاب الثلاثيني المصالحة الفرنسية-الألمانية التي احتاجت إلى “حوالى عشر سنوات”، بالتي لم تنجز بعد بين فرنسا والجزائر “ولا نزال بعيدين عنها”.
“تاريخ فظيع مع نهاية سعيدة؟”
تقول المحللة النفسية “الفرنسيون من أصل جزائري يتأثرون بالجوانب الآنية الباقية من هذه القضية، ويتساءلون عن مكانهم في الجمهورية، لأنه ما أن تُطرح مسألة الاندماج والحجاب حتى نعود إلى الكلام نفسه، الذي كان مستخدماً في الحقبة الاستعمارية”.
وتروي ليلى بوقروي التي وصل والدها إلى معسكر الحركيين في بيرجوراك (جنوب غربي فرنسا) في يونيو (حزيران) 1962 من بين ما يقارب 60 ألف حركي نقلوا إلى فرنسا، لا تزال الضغينة قائمة.
وتوضح “أراد والدي أن يُبعدنا عن كل هذه الأمور كي لا نشعر بأي شيء. لكن مع تقدمي بالسن أدركت أن ما حصل لهم لم يكن عادلاً”.
في ختام هذه الحرب التي اتّسمت بفظائع وبتعذيب ألحقت صدمة كبيرة بالمجتمعين الفرنسي والجزائري، مع تخلي فرنسا عن الحركيين الآتين في غالب الأحيان من أوساط فلاحية متواضعة، رافضة استقبالهم بأعداد كبيرة، فوقع عدد منهم ضحية عمليات انتقام في الجزائر.
ومرّ الذين نقلوا منهم إلى فرنسا عبر معسكرات في ظروف صعبة جداً.
وفي إطار المصالحة، دعا تقرير ستورا إلى مبادرات رمزية قوية حول تشارك أرشيف الحقبة الاستعمارية أو مسألة المفقودين خلال الحرب.
وهذه العملية متواصلة بصعوبة منذ نهاية النزاع في 1962. وترى كريمة لازالي إنها لن تنجز “ما لم يشرك كل الأطراف فيها. لا نخرج من 130 عاماً من تاريخ فظيع مع نهاية سعيدة”.