ما حقيقة نقل رسائل سورية إلى إسرائيل بواسطة روسيا؟
وليد شقير كاتب صحافي
تفضي المواقف والتحركات الإقليمية والدولية والمتعلقة بالشرق الأوسط المواكبة لتسلم الرئيس الأميركي جو بايدن مهماته اليوم 20 يناير (كانون الثاني) إلى استنتاج بأن الملف السوري يمكن أن يكون مدخلاً لتنظيم العلاقة بين بعض هذه القوى وبين الإدارة الجديدة.
على الأقل يمكن لهذا الاستنتاج أن ينطبق على روسيا، وإسرائيل والنظام السوري نفسه، فضلاً عن تركيا، هذا على الرغم من أن اتفاقات السلام بين إسرائيل والدول العربية، وعودة واشنطن إلى الاتفاق النووي ودور إيران الإقليمي وبرنامجها للصورايخ الباليستية، أكثر أهمية من الوضع في سوريا بالنسبة إلى بايدن.
إلا أن ما يمكن أن يجذب واشنطن إلى إيلاء الملف السوري الأهمية، هو أن كثيراً مما يدور من صراعات واتصالات تتعلق بالنزاع في سوريا ودور إيران فيه، وإصرار إسرائيل على انسحابها منها، بدليل حملات القصف الجوي المكثفة التي قامت بها في الأشهر الأخيرة لمواقع تسعى الميليشيات الموالية لإيران إلى التمركز فيها، لاسيما في محافظة القنيطرة المحاذية لحدود منطقة الجولان المحتلة.
وما يدعو إلى ترقب مدى تحول الميدان السوري إلى موضوع مساومات وتوافقات دولية لمناسبة دخول بايدن البيت الأبيض حدثان بارزان في الأسابيع الأخيرة، الأول هو التسريبات عن اتصالات إسرائيلية سورية سرية تحت عنوان البحث في السلام بين الدولتين، والثاني إعلان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عما يشبه تجديد قواعد التنسيق في العلاقة مع الوجود العسكري الأميركي في سوريا على الرغم من تأكيده أنه غير شرعي.
رسائل الأسد إلى إسرائيل عبر موسكو
في ما يتعلق بتكاثر الحديث عن احتمال الانتقال بالعلاقة الإسرائيلية السورية إلى مرحلة جديدة، في الأشهر الأخيرة كان الأبرز ما نقل عن ضابط إسرائيلي كبير قوله في 21 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إن تل أبيب تلقت رسالة من رئيس النظام السوري بشار الأسد عبر روسيا وأطراف أخرى.
وأوضح الضابط الذي لم يكشف عن اسمه، أن الرسالة تناولت شروط الأسد مقابل السلام مع إسرائيل، وأن الأسد يريد العودة إلى الجامعة العربية، والحصول على مساعدات اقتصادية لا سيما المحروقات، والأموال كي يدفع للإيرانيين ديونهم ليخرجوا من سوريا، وتثبيت نظامه.
وقال إن الأسد يعتبر أن بإمكان إسرائيل مساعدته مع الولايات المتحدة ومع المحور الخليجي، ويرى أننا مثل الروسي جسراً للولايات المتحدة وللدول الخليجية.
وأعرب الضابط الإسرائيلي عن استعداد بلاده للاتفاق مع الأسد، مشيراً إلى أنه من الأفضل لإسرائيل عدم إسقاطه، لأنه لا يمكن التكهن بمن سيأتي بعده، وقد تقوم إيران بجلب قائد متطرف أكثر منه وتسيطر بشكل كامل على سوريا.
ونشر الخبر بعد أسبوع من زيارة قام بها وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد إلى موسكو، حيث التقى وزير الخارجية سيرغي لافروف. وبصرف النظر عن مدى دقة ما نقل عن “الضابط الإسرائيلي الكبير”، لم تكن المرة الأولى التي يبعث فيها الأسد برسائل إلى إسرائيل من طريق موسكو.
سبق أن فعل ذلك عبرها في العام 2014، حين اشتد حصار قوات المعارضة عليه في مناطق عدة وفي محيط دمشق، فبعث عبر أحد الموفدين الروس إلى العاصمة السورية رسالة يسأل فيها، إذا كانت تل أبيب ترى أن بقاءه في الحكم يعني أنه معاد لها أم أن سيطرة المعارضة أفضل لها، بما يوحي بأن الأفضل لها أن تدعم بقاءه في السلطة. وقد نقل دبلوماسيون روس في حينها فحوى الرسالة التي أسرّ بها الأسد لهم، إلى قيادات عربية منها قيادات لبنانية كشفت عنها للصحافة، وذلك قبل التدخل الروسي في سوريا لإنقاذ نظام الأسد، بناء على طلب إيراني، الذي حصل في سبتمبر (أيلول) من العام 2015.
وفي إطار الأنباء عن اتصالات إسرائيلية سورية نشرت أخبار في الأسبوعين الماضيين عن لقاءات إسرائيلية سورية، تارة في قبرص حضرها عن الجانب السوري ضابط أمن كبير، وأخرى في أبو ظبي وثالثة في قاعدة حميميم العسكرية الروسية في سوريا، لكن وزارة خارجية النظام نفت “حصول لقاءات سورية ـ إسرائيلية في أي مكان”.
استبعاد اللقاءات وتأكيد الرسائل
يستبعد مصدر سياسي على صلة مع موسكو حصول لقاءات سورية إسرائيلية، لا سيما في قاعدة حميميم الروسية، مشيراً إلى أن لقاءات من هذا النوع ما زالت مبكرة. إلا أنه أكد تولي موسكو نقل الرسائل بين دمشق والجانب الإسرائيلي.
ويشير المصدر نفسه إلى أن المواقف الروسية الأخيرة في شأن سوريا ودور إسرائيل فيها، تشكل وسيلة انفتاح على إدارة بايدن، ومن مصلحة موسكو مع إسرائيل أن تتيح مزيداً من فرص الانفتاح على واشنطن، لأن إحداث تقدم في أي محادثات سلام إسرائيلية سورية يريح الإدارة الأميركية الجديدة، فضلاً عن أنه يجعل الدور الروسي في سوريا مريحاً للولايات المتحدة الأميركية، ويفتح الباب على تنسيق مزيد من التعاون في قضايا وأزمات المنطقة الأخرى. فموسكو على الرغم من أنها القوة الأكثر تأثيراً في سوريا، تعتقد أن تكريس تفوقها فيها بإنجاز الحل السياسي للأزمة السورية يحتاج إلى اتفاق مع واشنطن، من دونه ستبقى الصراعات العسكرية المتنقلة متواصلة.
خيار السلام مدخل لحل سياسي وانسحاب إيران؟
وثمة من يعتقد في موسكو أن ترتيب العلاقة الإسرائيلية السورية يشكل مدخلاً للتفاهم مع الإدارة الأميركية، وأن السلام الإسرائيلي السوري يؤدي إلى إزالة العقوبات على سوريا في شكل يسمح بالبحث في إعادة إعمار ما تهدم على الصعيد الدولي، ويقود إلى إخراج إيران من أراضيها، بالتالي تركيا، وقد يسمح بالتفاهم على استمرار الأسد في السلطة أوعلى صيغة تدريجية للانتقال السياسي. فالقيادة الروسية تعمل من العام 2019 على توفير ظروف الحلول السياسية للأزمة السورية، لأن من مصلحتها خفض إنفاقها على العمليات الحربية وعلى تواجدها العسكري الكثيف الذي اضطرت إلى تعزيزه في إطار اتفاقات أستانا مع تركيا وإيران، من أجل ضمان تفوقها على القوتين الإقليميتن اللتين تنافسانها النفوذ في الميدان السوري، بينما هي تطمح إلى عدم البقاء طرفاً في الحرب الدائرة وإلى التحول إلى الفريق الذي يجلب الحلول للأزمة السورية.
وبات واضحاً أن تجربة أستانا للتعاون الروسي الإيراني التركي، أصبحت من الماضي في ظل تضارب المصالح بين أقطابها الثلاثة، خصوصاً أن التنسيق بينهم يقتصر منذ سنة على تفادي الصدام ورسم حدود التواجد العسكري لكل فريق.
التساهل الروسي مع ضربات إسرائيل
لم يعد خافياً مدى التساهل الروسي مع الضربات الإسرائيلية المتتالية للمواقع الإيرانية في الميدان السوري، الذي لا يزعج موسكو فحسب، بل تبرره بحق إسرائيل في ضمان أمنها، وبعدم تفعيل الدفاعات الجوية التي استقدمتها في التصدي للطيران والصواريخ الإسرائيلية، التي تستهدف مخازن وأسلحة تستقدمها إيران في إطار مشروعها إقامة منطقة تماس مع إسرائيل في الجنوب السوري ومنطقة القنيطرة. لطالما كان الجواب الروسي على الأسئلة الإيرانية ومن قبل “حزب الله” عن سبب عدم تشغيل منصات صواريخ إس 400 ضد الطيران الإسرائيلي، بأن القوات الحليفة لسوريا جاءت للدفاع عن نظام الأسد في مواجهة ما تعتبره القيادة الروسية الإرهاب، وليس لتركيز قواعد عسكرية في مواجهة إسرائيل في المناطق القريبة من الحدود أو البعيدة منها، وأن مواجهة التنظيمات الإرهابية لا تحتاج أنواع الصواريخ التي تستقدمها طهران.
وتشير معطيات بعض الأوساط الضيقة في بيروت إلى أن الدفع الروسي نحو انفتاح إسرائيلي سوري أثار حفيظة الجانب الإيراني و”حزب الله” الذي بدأ يطرح أسئلة عما إذا كانت جهات سورية تتواطأ مع إسرائيل في الكشف عن مواقع تخزين أسلحة ترسلها طهران ليدمرها سلاح الجو الإسرائيلي.
وأشارت بعض الأوساط السياسية في بيروت، إلى معطيات عن أن الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله زار دمشق وأجرى مناقشة ساخنة مع الأسد حول خيار الانفتاح على إسرائيل، لكن تعذر تأكيد هذه الأخبار. وتزامن ذلك مع معلومات عن تشديد روسي على تل أبيب بعدم استهداف الجيش السوري خلال عملياتها ضد الوجود الإيراني، وبأن التنسيق الروسي الإسرائيلي قاد إلى إقناع القيادة السورية إلى إبعاد الجيش السوري عن المواقع العائدة لإيران.
وتردد أن الغارات الأخيرة فجر الأربعاء 13 يناير التي شنها الطيران الإسرائيلي (18 غارة حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان)، وأدت إلى مقتل ما يقارب 50 عنصراً من الميليشيات الموالية لإيران، وبعض جنود الجيش السوري بين دير الزور وباديتي الميادين والبوكمال على الحدود مع العراق، استهدفت مستودعات أسلحة وصواريخ وطائرات مسيرة متطورة أرسلتها طهران، ولم يكن مضى على تفريغها ونقلها سوى بضع ساعات. وهي ليست المرة الأولى التي يحصل فيها ذلك.
لافروف: لن نشتبك مع الأميركيين
العامل الثاني للدلالة إلى توجه جديد لدى القيادة الروسية يكمن في التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية سيرغي لافروف. ففي مؤتمره الصحافي السنوي الذي عقده في موسكو الاثنين 18 يناير قال، “إذا كانت إسرائيل مضطرة للرد على تهديدات لأمنها تصدر من الأراضي السورية، قلنا لزملائنا الإسرائيليين عدة مرات إذا رصدتم مثل هذه التهديدات، فيرجى تزويدنا بالمعلومات المعنية وسنتخذ جميع الإجراءات لتحييد هذا التهديد”. وأوضح أن موسكو لم تتلق حتى الآن رداً ملموساً على هذا الاقتراح، لكنها تواصل طرحه.
وشدد لافروف على أن روسيا لا تريد “أن تستخدم الأراضي السورية ضد إسرائيل، ولا أن تستخدم، كما يشاء كثيرون، ساحة للمواجهة الإيرانية الإسرائيلية”.
ووصف الوجود الأميركي في سوريا بأنه “انتهاك صارخ لمقررات الشرعية الدولية”، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن روسيا “لن تحاربه عسكرياً بل هي تطالب الأميركيين بشدة بعدم استهداف المواقع التابعة للحكومة السورية”.
وقال الوزير الروسي، “لدينا اتصالات مع الولايات المتحدة من خلال القنوات العسكرية، وذلك ليس لأننا نقر بشرعية وجودهم في سوريا، لكن ببساطة لأنهم يجب أن يتصرفوا في إطار قواعد محددة”.
وأضاف، “لا يمكننا طردهم، ولن ننخرط في اشتباكات مسلحة معهم، ولكن نظراً لوجودهم هناك، نجري حواراً معهم حول ما يسمى منع الصدام، نحقق من خلاله امتثالهم لقواعد معينة. ومن بين أمور أخرى، نتحدث بشكل صارم عن عدم جواز استخدام القوة ضد المواقع التابعة للدولة السورية”.
“تفهم” موسكو القلق السعودي إزاء إيران
لم يقتصر الجديد في إشارات لافروف الواضحة التي تبدي الاستعداد لمعاونة إسرائيل على مواجهة هواجسها الأمنية، التي تشكل إيران التهديد الفعلي لها، بل تعداه إلى تصريحاته قبل أسبوع في مؤتمره الصحافي مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان أثناء زيارة الأخير إلى موسكو. وزير الخارجية السعودية أثار “تدخلات إيران التي تعزز الخراب والدمار وتعطل التنمية والرخاء، وأمن منطقة الخليج”. واللافت أن حديث الأمير فيصل بن فرحان تناول “إزاحة التدخلات المستمرة لإيران في سوريا”، معتبراً أنها “تعطل الوصول إلى حلول حقيقية تخدم الشعب السوري”، وتفهم لافروف ما قاله نظيره السعودي عن القلق “إزاء برنامج إيران الصاروخي وتصرفاتها المحددة في بعض دول المنطقة”.
الجديد في الموقف الروسي بالتقارب مع الموقف الخليجي حيال إيران لا يمكن عزله عن التقارب مع واشنطن حيال الوجود الإيراني في سوريا.