لإعادة هيكلة المجتمع السوري، الذي اغتالته الحرب، وحوّلته إلى مجتمع عسكريّ مغلق- الأمر الذي زاد في سطوة العقلية الذكورية في المجتمع، وهيمنتها على الحراك الأهلي- تبرز حاجة ملحّة لإعادة هيكلة هذا المجتمع أهليّاً، من خلال مبادرات تكسر القوالب النمطية التي باتت تتحكّم في طبيعة المبادرات.
فعلى سبيل المثال، لطالما تركّزت الأفكار التي تنطلق منها المبادرات الإنسانية، والمجتمعية على مسائل محدّدة، منها الإغاثة والإسعاف، أو الدعم النفسي، وهي كلّها تتمحور حول التأقلم مع ظروف الحرب الاستثنائية وتكرّسها كنهج حياة مستدام.
من هذا المنطلق، تتفرّد مبادرة الشابة “ميديا غانم” بأن تمنح مساحة للتفكير خارج الصندوق، والسعي بالمجتمع للخروج من هذه الدائرة التي تحاصره منذ عشر سنوات.
“بدي بسكليت”، مبادرة تهدف إلى التعامل مع ركوب الدرّاجات على أساس كونه رياضة مستحبّة، بدلاً من الصورة النمطية، التي تربطه بأصحاب الدخل المنخفض، كما ترمي إلى تحفيز النساء على ممارسة هذا النشاط الرياضي، الذي ما تزال المجتمعات الشرقية تحصره بالرجال.
وعلى الرغم من كون ركوب الدراجات الهوائية من الرياضات السهلة والممتعة، ولكن هذه الهواية – للأسف-مازالت بشكل عام حكراً على الرجل بمجتمعنا، فضلاً عن معاناة الكثير من النساء في الشرق الأوسط بشكل خاص من وسائل التنقل لأسباب عديدة أثناء ذهابهن للعمل وقضاء شؤونهن، لكن النساء اللواتي يمارسن هواية “ركوب الراجة الهوائية”، ما زلن محط تنمر من قبل المجتمع، فلا يتم الالتفات إلى الجانب الإنساني والإيجابي للموضوع.
حول أهمية هذه المبادرة، ودوافع إطلاقها، تقول الشابة “ميديا غانم”، والتي أطلقت المبادرة في مدينة “عامودا”، ضمن مناطق الإدارة الذاتية، في شمال وشرق سوريا، لـليفانت نيوز: بما أننا نمر بأزمة محروقات في البلاد بشكل عام، ولو أن وتيرتها أخف في مناطق شمال وشرق سوريا، فركوب الدراجات الهوائية يساعد على التنقل براحة أكبر” ولفتت “غانم” إلى أنّه “بغضّ النظر عن هذه الأزمة ركوب الدراجات الهوائية، يجب أن تصبح عادة لأهميتها في الحفاظ على البيئة، في حال استبدالها بوسائل النقل الأخرى، وكذلك أهميتها على صحة الإنسان لأنها رياضة مفيدة جداً، ناهيك عن متعتها كهواية، فالصين مثلاً بشكل خاص ليس لديها أي أزمة بالمحروقات ولكنها أكثر البلدان استخداماً للدراجات الهوائية في التنقل، كذلك مناطق جنوب شرق آسيا بشكل عام”.
وفيما يتعلّق بتناول “المجتمعات الشرقية” لهذا النمط من الهوايات، توضح “ميديا غانم” أنّ “ركوب الدراجات أمر غير مألوف في المجتمعات الشرقية، وهو ما يشكل تحدياً كبيراً لنا في حملتنا، ولكننا بالإصرار والإرادة نعمل على كسر هذه النمطية، وهذه أهم أهداف الحملة التي أطلقتها”.
كذلك، أشارت الشابة صاحبة مبادرة “بدي بسكليت”، في معرض حديثها لـليفانت نيوز، إلى أنّ الحملات الاجتماعية، من هذا النوع “بالتأكيد لن تكون قادرة على إخراج المواطن السوري من دائرة الحرب في سوريا، خاصةً وأنّ أسبابها أكبر من أن يتمّ حلّها بحملات اجتماعية، كحملة (بدي بسكليت)، التي أطلقتُها ولكنني بتجربتي في إطلاق هذه الحملة وجدت بأن الشعوب السورية بحاجة ماسة لمثل هذه الحملات، لكي تخفف عنهم وطأة الحرب كنوع من الترفيه، وتعطيهم مساحة ليبتعدوا ولو قليلاً عن أجواء الحرب”.
تنبع خصوصية الحملة التي أطلقتها “ميديا غانم”، من كونها حملة موجّهة لفئات المجتمع كاملةً، دون تمييز بين جنس أو عمر، ولكونها تسعى لتحفيز أفراد المجتمع السوري، على الالتفات للصحة الجسدية ونمط الحياة الصحي، رغم الصعوبات والعقبات الكبيرة، التي تكتنف هذا النوع من المبادرات، بسبب اصطدامها بالعادات الاجتماعية من جهة، والعقبات الاقتصادية ، التي ما تزال تشكّل أكبر التحدّيات التي تواجه السوريين.