يجب أن نطرح على الجيل القادم أسئلة مهمة ويجب أن نستعد بكليّتنا لسماع إجاباته
ناريش رامشانداني كاتب
في الساعات الأولى من 1 يناير (كانون الثاني)، تلقيتُ رسائل نصية من ثلاثة من أصدقائي، منها الذي يتلفظ بكلام نابٍ ومنها الذي يشكر الله على انتهاء العام الأسوأ في الذاكرة الحية. فبعد عشرة أشهر عصيبة مات فيها كثيرون وعانى فيها الجميع تقريباً، يبقى الأمل في أن يكون 2021 عاماً أفضل.
بالطبع، نحن بحاجة إلى استعادة جزء ولو بسيط من حياتنا القديمة، كأن نُقابل أصدقاءنا ونُعانق أقرباءنا ونكون سالمين في أماكن عملنا ونُرسل صغارنا إلى المدرسة ونرعى بأمان كبار السن من أهلنا، ونفقد أنفسنا بين الحشود ونستمتع بكل ما يعنيه ذلك مجدداً، ولكننا بحاجة كذلك إلى إعادة تصور حياتنا القديمة. وهنا يكمن الدور الأساس للقطاع الإبداعي.
صحيح أننا لسنا فلاسفة أو اقتصاديين لنمذجة نسخ جديدة من المجتمع، ولكننا مصممون ورواة قصص وكتبة خطابات وصانعو رسوميات، بيدنا قوة الإقناع وبيدنا فضح الأشرار وإعلاء الأبطال وتحويل السلوكيات الجديدة إلى سلوكيات مفهومة ومرغوبة، ومع كل هذا يمكننا أن نبتكر نماذج اجتماعية جديدة.
ويُمكن لعملنا أن يُحدث فارقاً. ففي الماضي، نجح جيل من المواهب الإبداعية في إقناع المجتمع بالسير على نهجه لبلوغ السعادة. واليوم، لا بد من جيل جديد من المواهب الإبداعية ليساعدنا في التخطيط لحياة جيدة أقل ضرراً بالبيئة، وليمضي بنا نحو مجتمع شامل بكل ما للكلمة من معنى.
لكن دعونا لا ننسى أن الأمور قبل الجائحة لم تكن أبداً وردية. كنا نتقدم بخطى متسارعة نحو أزمة مناخية لا رجعة فيها، ونحو انقراض جماعي خامس للحياة الطبيعية على كوكب الأرض. كنا نعيش في زمن من التفاوت الاجتماعي دائم الاتساع، مع ضرورة تذكير أصحاب البشرة البيضاء بأن “حياة السود مهمة”. وإذا ما أردنا أن ننهض بأنفسنا ونتقدم إلى الأمام، فإن أول ما علينا فعله هو أن نُجري تغيرات جذرية على قيمنا وسلوكياتنا حتى تحقيق التوازن بين حالات اللامساواة المختلفة، ونُعيد تهيئة عالمنا لمستقبل خال من الكربون.
ولأجل هذا، لا بد لـ 2021 أن يكون عام المواهب الإبداعية الجديدة والخيال الجديد، لكن المشكلة أنه من الصعب على المواهب الجديدة العثور على وظيفة في هذه الآونة. فبسبب جائحة كورونا، تدهورت آفاق العمل في القطاع الإبداعي وبلغت أدنى مستوى لها منذ أزمة 2008، وأُقفلت الأبواب في وجه الأصوات والرؤى الجديدة، والأرجح أن يبقى الوضع على ما هو عليه بعد المضي قدماً باتفاق “بريكست”.
فكيف عسانا نُصلح هذا الوضع وبسرعة؟ كبداية، علينا أن نترفع عن الضربة القوية التي أصابت مداخيلنا جراء انكماش الأسواق والموازنات ونستثمر في الجيل المقبل، إما من خلال إتاحة فرص العمل لأبنائه أو من خلال دعمهم بدورات تدريبية وتعليمية ذات معنى. وفي أي الحالتين، علينا أن نحرص كل الحرص على استقدام مرشحين مختلفين حتى لا تكون الأفضلية لذوي الآراء المتشابهة، كما علينا أن نُعوض على الناس بشكل منصف حتى لا يقع الاختيار على القادرين بينهم على تحمل أعباء الأجر المتدني. والأهم من ذلك، علينا أن نمهد الطرق المؤدية إلى القطاع أمام الشباب المبدع من مختلف الهويات.
وإلى جانب المال، علينا استثمار الوقت حتى لو كنا في وضع محاولة البقاء على قيد الحياة ونرزح تحت ثقل مهمات كثيرة، علينا أن نجد وقتاً للتواصل مع المدارس والجامعات وإقامة شراكات مع برامج الجيل القادم الإبداعية وإظهار المجاملة والفضول إزاء كل محتاج جديد يدق أبوابنا. وإن كنا سنقدم دورات تعليمية أو تدريبية، فعلينا أن ندعمها بتوجيهات وملخصات جيدة، لأنه لم يعد كافياً إلقاء الشباب في بيئة العمل متوقعين منهم أن يتعلموا الأشياء بسرعة ومن تلقاء أنفسهم، لا سيما عندما يحضرون اجتماعاً عبر “زوم” وليس في قاعة الاجتماعات.
علينا أن نطرح على الجيل المقبل أسئلة مهمة، وعلينا أن نكون مستعدين بكليّتنا لسماع إجاباته. لنذكر من بين هذه الأسئلة على سبيل المثال لا الحصر، كيف تبدو لك المساحة الفاصلة بين الاستهلاك والعمل الناشط؟ أو بالأحرى المرتع الطبيعي للمؤسسات وشركات الأعمال التي تُحسن الموازنة بين أهدافها وأرباحها؟
كيف تخلق رغبة في التشارك والإصلاح تُضاهي بقوتها وأهميتها الرغبة في الشراء؟ كيف تستحدث علامات تجارية لا تتوجه للذكور وأصحاب البشرة البيضاء والمستقيمين جنسياً من الناس بشكل خاص؟
وصحيح أن مدارس الفنون تُشجع على مثل هذا النوع من الاستكشافات، لكن ما كل المبدعين يأتون من طريقها، لذا لا ينبغي لطرح الأسئلة أن يتوقف عند بدء العمل. علينا أن نمنح الجيل المقبل منصة للعمل، وعلينا أن نحتفل بأعمال المواهب الصاعدة كما لو أنها أحد أعظم إنجازات القطاع، على هوى ما تفعله منظمة “التصميم والإخراج الفني” (D&AD) في برنامجها “الدم الجديد” (New Blood). وعلينا أيضاً أن نحذو حذو منظمة “إفعل ما هو رفيق بالبيئة” (Do The Green Thing) غير الربحية، ونتعاون قدر الإمكان مع المواهب الشابة ونُسخر قنواتنا وأحاديثنا حيثما أمكن، للذين سيصنعون المستقبل.
وبالطبع لا يسعنا انتقاص الأجيال الأكبر سناً من المعادلة، فالأفكار التي يمكن أن تتمخض عنها أجندة تقدمية، هي أفكار المبدعين الأكثر ثباتاً، لكن بالنظر إلى وجود عدد قليل من أصحاب البشرة السوداء في قطاعنا وإلى ارتفاع انبعاثات الكربون في أجوائنا، فإن هذه الأفكار لا تأتي بسرعة كافية أو كمية كافية.
ولهذا نحن بحاجة إلى ثورة إبداعية، وهذه الثورة سيقودها الجيل المقبل. وبما أن العام الحالي عسير لناحية آفاق العمل، دعونا نستثمر معاً الوقت والمال والمساحة التي ستُعطي هذا الجيل فرصته.
(ناريش رامشانداني هو أحد مؤسسي “إفعل ما هو رفيق بالبيئة” والرئيس الحالي لمنظمة “التصميم والإخراج الفني” الخيرية المعنية بالتعليم الإبداعي، وهو أيضاً شريك في “بنتاغرام ديزاين” Pentagram Design).
© The Independent