تيار الإصلاح بقيادة دحلان في الانتخابات الفلسطينية

عدلي صادق

بمناسبة الحديث عن الانتخابات يطرح الفلسطينيون أسئلتهم، فهل يعترف الممسكون بمقاليد الأمور بأن هناك متطلبات انتخابية ناقصة يتوجب توفيرها لكي لا تكون العملية الانتخابية قفزة في الهواء من حافة جُرف؟

قبل أن يبدأ السجال الفصائلي الفلسطيني حول المتطلبات القانونية للعملية الانتخابية، لا يغيب عن أذهان الكثيرين أن رئيس السلطة والمنظمة محمود عباس، قد أصدر الكثير من القرارات غير الدستورية واجبة الإلغاء التي طالت أطيافا شتى، كان من بينها حجب المخصصات المقررة للفصائل، والتفرّد بقرارات التعيين والإقصاء التي اتخذها لدوافع شخصية نجمت عن تصريحات نقدية، أدلى بها من طالتهم من شخصيات وازنة في العمل الفلسطيني التي لم يعد أحد يسمع عنها شيئا.

توفي نائب رئيس المجلس التشريعي تيسير قبعة وهو مقطوع الراتب بسبب تصريح سياسي، والرجل من قيادات فصيل الجبهة الشعبية. ظل طوال سنوات الانقسام الفلسطيني يزيح عن يمينه ويساره من كان لهم باع طويل في العمل السياسي، ومنهم كثيرون من ذوي الفضل عليه.

أما بالنسبة إلى عضو اللجنة المركزية وحليفه السابق، النائب محمد دحلان، فقد دفع القضاء لتخليق اتهامات له. لكن قضاء السلطة نفسه لم يجد الحيثيات التي تساعد على إصدار قرار اتهام في أي شيء، علما وأن الاتهامات التي رغب في توجيهها لحليفة السابق، كانت من الوجهة الزمنية، سابقة على التحالف.

يساير تيار دحلان المتفائلين الذين يرون أن الانتخابات ستُجرى. وفي الوقت نفسه يتفهم التيار أسباب المتخوفين من انسداد الأفق أمامها ويتشكك في احتمالات إجرائها

وظل الرجل يضغط على القضاء لكي تُصدر المحاكم أي شيء، ليكتفي بأن هناك حكما صدر يساعده على إقصاء دحلان عن الحياة السياسية، لكن الأخير كان له سياقه الجوابي، إذ شكل تيارا عريضا واستفاد في ذلك من جموح عباس الذي استهدف الكادر بالجملة وسهّل على دحلان تحقيق الرواج على مستويين: الأول من التحقوا بتياره علنا، والثاني من تعاطفوا معه من داخل فتح التي يُفترض أن عباس يقودها، لكنهم التزموا الصمت خشية الإقصاء وقطع الرواتب.

منذ تلك الأيام، بدا أن دحلان ليس قابلا للشطب وأنه سيظل حاضرا بقوة. وكل ما استطاع أن يفعله إطلاق حملة تشهير ضده، من خلال استعارة ما كانت تقوله حماس عن عباس والسلطة.

هذه المرة، وفي خضم الحديث عن انتخابات مفترضة، سيحدث الشيء نفسه وسيمهد لحضور دحلان بقوة، الخيار الذي تمسك به عباس نفسه، وهو أن تُجرى الانتخابات بالتتالي، بينما دحلان لا يريد خوض الانتخابات التشريعية بنفسه وإنما من خلال تياره، وربما هذا الذي جعله يوعز لحلقته الضيقة بأن تدعو إلى تشكيل قائمة مشتركة لفتح وحماس.

مأزق آخر وضع عباس نفسه فيه، وهو الإيحاء بأنه أطلق عملية انتخابية امتثالا لضغوط دولية. فالأوروبيون تحديدا تجاوزوا لسنوات طويلة عن وضع السلطة الفلسطينية التي لم تعد فيها مؤسسة واحدة دستورية، ولا يستطيعون الاستمرار في دعم نظام حكم فردي توتاليتاري، على اعتبار أن دعمه يعيبهم كدول ديمقراطية. وبالتالي أصبحت الانتخابات أمرا لا مفر منه لاسيما وأن أزمات المجتمع الفلسطيني تتفاقم.

وعليه، أصبح عباس معنيّا بتدبير عبور آمن لهذه الانتخابات، لكنه لا يعرف كيف يكون العبور. من هنا، طُرحت فكرة الاتكاء على حماس وتشكيل قائمة مشتركة معها وتكوين كتلة تضمن له ولفريقه الصغير البقاء دون تغيير شيء من السياسات الاجتماعية وحتى السياسية والأمنية. وأغلب الظن، أن حماس ستحرق نفسها إن استجابت له.

ولأن طبائع الرجل لا تتبدّل، وهو ضعيف الثقة في الكادر ويظن أن حلقته الضيقة تتمتع بشعبية في الشارع، أو حتى في داخل حركة فتح، فقد قبل فكرة الانتخابات على أن تتيح له الاحتفاظ بسلطاته لمساحة زمنية بعد انتخاب المجلس التشريعي الجديد، فإن لم يأت على هواه، يمكن أن ينقلب عليه.

في هذه اللعبة الخطيرة يتوغل عباس في الخطأ. وقد بدأ هذا الخطأ عندما رفض أن يكون هناك رجل قوي بجانبه لا يمكنه من التفرّد.

اليوم، يساير تيار دحلان المتفائلين الذين يرون أن الانتخابات ستُجرى. وفي الوقت نفسه يتفهم التيار أسباب المتخوفين من انسداد الأفق أمامها ويتشكك في احتمالات إجرائها.

في مبتدأ الأمر، كان دحلان قد فتح مبكرا نافذة لعون أهالي قطاع غزة المحاصر، بينما عباس شارك في الحصار بتأثير أسوأ على المجتمع الفلسطيني. ومن يقَدّم السبت تعاطفا مع المجتمع وتحسّسا لآلامه، سيتلقى الأحد جوابا طيّبا عندما تحين ساعة الحقيقة ويتاح للناس التعبير عن آرائهم.

وعلى الرّغم من أن هذه الحقيقة لا تزال عُرضة للتشويش، فإن وعي الناس وذاكرتهم لن يجعلانهم يخطئون في تحديد من أحسن العمل وثابر عليه، ومن أوقع الآلام وكرّس الجفاء والتباغض.

يدرك تيار الإصلاح في حركة فتح أن الطريق أمامه لا يزال طويلا ولن ينتهي حتى بنتائج إيجابية في أي عملية انتخابية. فلا يزال هناك الكثير من الجهد الذي ينبغي أن يُبذل في الانفتاح أكثر فأكثر على المجتمع، وعلى العناصر القادرة والمؤهلة والوازنة فيه، بعد أن خصمت التجربة الطويلة من مصداقية المنخرطين في العمل السلطوي والفصائلي خلال السنوات العشر الماضية.

لم تعد العناوين، ذات الإرث الكفاحي الطويل، تشفع لمن أساء العمل خلال السنوات الماضية. فقد كان من بين نتائج التفرد ووقف المسار الديمقراطي أن الذين أمِنوا العقاب ممن أمسكوا بمقاليد الأمور، أساؤوا العمل ولم يكترثوا لرأي الناس الذين لم يُتح لهم التغيير. وهذا أمر ينطبق على الجميع ويضعه التيار الإصلاحي الذي يقوده دحلان بين عينيه.

اليوم وبمناسبة الحديث عن الانتخابات يُغرّد الفلسطينيون عبر وسائل التواصل، فيطرحون أسئلتهم ويحاولون تعبئة الفراغات في مربع الكلمات المتقاطعة، وعنوانه الانتخابات. فهل يحاول الممسكون بمقاليد الأمور التنازل قليلا، والاعتراف بأن هناك متطلبات انتخابية ناقصة يتوجب توفيرها، لكي لا تكون العملية الانتخابية قفزة في الهواء من حافة جُرف؟

الانتخابات في كل الدنيا تكون بين أطراف متنافسة وليست متخاصمة تقوم بينها شكايات وتباغضات وتتربص لبعضها البعض، ذلك علما بأن العملية الانتخابية ليست قوائم ومناسبة للاستقطاب بغواية الدعاية. ثم إن شطب عنصر التنافس بقائمة مشتركة، لا يشطب التناقضات بل ينقلها إلى دواخل الأطراف المتشاركة، لأن الحياة السياسية ومعضلاتها، لا ولن تُختزل، في مراسيم وقوائم وتدابير إجرائية صماء لا يمكنها أن تجد حلا للمسائل الخلافية والمآزق الكثيرة من خلال قائمة مشتركة. فالمجتمع المأزوم، بأفاعيل فاعلين، هو الذي يوفر البيئة الديمقراطية عندما يستريح.

لقد دعا تيار فتح الإصلاحي إلى دمقرطة حركة فتح وطي مرحلة الإقصاء، وإلى وقف تفرد الشخص الواحد، والاحتكام إلى النظام، ولم تنل منه محاولات الإقصاء التي زادته قوة من شأنها ـ آجلا أم عاجلا ـ تعزيز رصيد الحركة الفلسطينية، بمنطق وطني منفتح بأمانة المسؤولية.

أصبح عباس معنيّا بتدبير عبور آمن لهذه الانتخابات، لكنه لا يعرف كيف يكون العبور. من هنا، طُرحت فكرة الاتكاء على حماس وتشكيل قائمة مشتركة معها وتكوين كتلة تضمن له ولفريقه الصغير البقاء دون تغيير

ينفتح التيار على كل أطياف المجتمع الفلسطيني. وقد أثبتت الأيام أن ما استهجنه وعارضه الموالون لمركز الإقصاء، عندما أنجزت التفاهمات مع قيادة حماس في غزة، أصبح ما هو أكثر منه، مطلبا رئيسيا لأولئك المؤيدين للإقصاء.

وفي تعاطي دحلان وتياره مع الناس، من غير إطاره، تعامل باحترام، فوقفت معهم شخصيات وطنية حاصرها عباس في معيشتها دون أن يشترط عليها الانضمام إليه، ولا حتى أن تتحمل عواقب الاتصال به وظلت المرحلة مليئة بالأسرار!

في ساعة الحقيقة، عندما تحين، يذوب الثلج ويظهر المرج. وسيخوض التيار الانتخابات التشريعية بقوة، مطمئنا إلى كونه يملك فرصة معقولة في حال تشكيل قائمة مشتركة. ذلك لأن التيار الإصلاحي في حركة فتح قد التزم مواقف وطنية، وجاهر بما لم يستطع آخرون الحديث به، ولم ينقطع وصاله مع الشعب على مدار الساعات والأيام والسنوات، ولم تؤثر فيه التخرصات والتقولات الجائرة، فاحتفظ برؤيته في السياسة وفي العمل الاجتماعي، وسيخوض مع الخائضين في العملية الانتخابية، مهما كانت شروطها، متمسّكا برؤيته وأطروحاته.

المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر عن رأي المنصة