التعليم الإلكتروني بعد كورونا


اد أمل نصير

بدأ التفاؤل بانتهاء الجائحة، والعودة إلى الحياة الطبيعية في الجامعات وغيرها، وبات من المهم تقييم التجربة في نواحي الحياة المختلفة، لندفن معها سلبياتها، ونفيد من إيجابياتها، ونعمل على تطويرها لاسيما المهارات الرقمية، وسأقصر حديثي هنا على الجامعات، وعلى آلية التعليم والتعلم فيها، فكيف سيكون شكل التعليم الجامعي بعد كورونا؟
أعود إلى البدايات لعل في التجربة ما يفيد، فلقد كانت جامعة اليرموك أول جامعة أردنية تطبّق التعليم الإلكتروني على متطلبات الجامعة الإجبارية قبل سنوات، وتزامن بدء التحوّل مع تعييني مديرة لمركز اللغات المعني بالتطبيق، ومثل أي جديد قوبل هذا التحوّل بالرفض من قبل غالبية أعضاء الهيئة التدريسية والطلبة على السواء مع اختلاف دوافع كل منهم إزاء هذا الموقف.
كان القرار متخذا ببدء تطبيق التجربة على مساق( إنجليزي 101) وبعدما استقر الأمر، قررت إدارة الجامعة البدء بتحويل (مساق عربي 101)، وقد أفدنا من تجربة اللغة الإنجليزية، فبدأنا بالتحوّل التدريجي بشعبة واحدة، ثم شعبتين…، وكان اختياريا للطلبة، وأُنيط تدريسهما اختياريا لأكثر أعضاء الهيئة التدريسية معرفة وإتقانا له، وكانت المفاجأة أن الطلبة وأعضاء الهيئة التدريسية سارعوا إلى المطالبة الشديدة بهذه الشعب عكس ما حدث في الإنجليزي، بل سارع عدد منهم لتطوير مهاراته؛ ليتسنى له تدريس شعبة أو أكثر إلكترونيا.
تغيرت إدارة الجامعة وهنا المفارقة، ففي حين تشكل الحكومات المتعاقبة اللجان لوضع استراتيجيات للتعليم تتضمن آليات إدخال التكنولوجيا إلى التعليم، والبدء بالتعليم الإلكتروني، وتطلب إلى الجامعات فتح مراكز للتعلم الإلكتروني ـــ تقوم بالتنسيب برؤساء جامعات ليسوا على اطلاع على هذه المستجدات؛ فيقومون بإلغاء ما بذل سلفهم من جهود متجاهلين أهمية التعليم الإلكتروني، واهتمام العالم به، وضاربين بعرض الحائط كل الجهود التي بذلت من إنفاق وتعليم وتدريب للأساتذة والطلبة! ولا أعني هنا أن يكون الرئيس بالضرورة متخصصا، ولكن أعني المعرفة والاهتمام والمواكبة لتوجه العالم، ولما جاءت الجائحة كانت اليرموك -للأسف- متخلفة عن غيرها من الجامعات في التعليم الإلكتروني.
لم نكن نملك رفاهية الاختيار في ظل الجائحة، ولكن بعدها يجب أن نخطط جيدا؛ ونختار الخطوات المناسبة لجامعاتنا؛ لإنجاح شكل التعليم الذي نطمح إليه سواء أكان إلكترونيا أم مدمجا؛ من هنا يمكن الإفادة من مبدأ الاختيار بدل الإجبار، فهناك كثير من الأساتذة على وشك التقاعد أو ممن يعانون من ظروف صحية…، وبالتالي قد يجد هؤلاء أن التحوّل إلى غير ما عرفوه وطبقوه لسنوات طويلة صعبا عليهم، وكثير من هؤلاء يتمنون الخلاص من الجائحة للعودة إلى التعليم الوجاهي، أما مبدأ الاختيار، فيضع الحجة على المدرس والطالب معا، ويدفعهما إلى تطوير أدواتهما لمواكبة شكل التعليم الجديد، ويمنعهما من الشكوى أو التقصير بحجة ضعف الإمكانيات والظروف … لأن الخيار الثاني متوفر.
والقاعدة الثانية التدرج بدل التعميم لتهيئة الجامعات، وحتى يستوعب المعنيون بالأمر خطوات هذا الجديد، ويتقنون آليات تطبيقه، ويعرفون مشكلاته، لتوفير الحلول لها أولا بأول، وقد عرفنا الآن كثيرا من هذه المهارات، لكن ما زالت الطريق أمامنا طويلة.
من المهم أيضا البدء بالمواد الأسهل فالأصعب، فالطلبة – مثلا- يستصعبون مواد اللغة الإنجليزية وجاهيا، فكيف سيكون تقبلهم لها إلكترونيا؟! ويمكن أن يندرج هذا على مساقات أخرى، فليس بالضرورة أن تكون أولوية التطبيق لمتطلبات الجامعة دائما، ولكن لكل المواد التي يناسبها، والكليات أدرى بطبيعة مساقاتها من غيرها، ولعل التجربة في هذا المجال تدفعني إلى القول بأن مواد اللغات الأجنبية وخاصة الإنجليزي يجب أن يبقى التعليم فيها وجاهيا حتى لو كان من متطلبات الجامعة لسببين الأول: شكوى غالبية الطلبة من الضعف فيها، والثاني: أهمية تحسين اللغة الإنجليزية في نواحي الحياة المختلفة، وبالمقابل هناك مواد تخصص كثيرة في الكليات الإنسانية يمكن تحويلها إلكترونيا بسهولة ويسر .
ولا بد أن تخفف الجامعات من شهيتها بإغراق الشعب بالأعداد إذا أرادت لهذا النوع من التعليم أن ينجح، فعندما كنا نلتقي بخبراء من الدول المتقدمة في التعليم الإلكتروني كانوا يتحدثون عن(24) طالبا تقريبا في الشعبة المثالية في حين قد تراها جامعاتنا غنيمة للتوفير، ويمكن بالمقابل للجامعات أن تكسب المال من فتح أبوابها للتعليم عن بعد للطلبة الوافدين، وكذلك ممن يرغبون بالتعلم من الموظفين المحليين… بتوفير شعبة إلكترونية لكل مساق في التخصصات الممكنة، وهذا سيفيدنا أيضا في ظل استمرار الجائحة من المحافظة على طلبتنا الوافدين من كل أنحاء العالم الذين ما زالت بلاد بعضهم غارقة في الكورونا، وبالتالي، استيعابهم ومساعدتهم، فنحول دون تحوّلهم إلى جامعات أخرى، لا سيما أن جامعاتنا تعتمد عليهم في رفد ميزانيتها.
يمكن للجامعات أيضا أن تبدأ بالتفكير بفتح برامج كاملة إلكترونيا جنبا إلى جنب مع برامج التعليم الوجاهي أو المدمج كما هو موجود في جامعات عالمية، وهذا يتطلب منا الاعتراف بهذا النوع من التعليم، والبدء بسن التشريعات الناظمة لهذه البرامج سواء أكانت برامج بكالوريوس، أو دبلوم، أو ماجستير، فهي ستفتح الباب لكثير من الأردنيين والعرب والأجانب للالتحاق بجامعاتنا، وبالتالي زيادة دخلها، وزيادة قدرتها على توظيف عدد أكبر من أعضاء الهيئة التدريسية؛ مما يخفف من البطالة. ومثل هذه البرامج ليست جديدة على الجامعات العريقة، فمنها من هو من أول 500 جامعة حسب التصنيفات العالمية، وكانت قد بدأت بها قبل أزمة الكورونا بسنوات. إن استحداث مثل هذه البرامج ليس مكلفاً إذ أن البرامج الأصلية موجودة، وتحتاج إلى تعديل؛ ولتحقيق هذا لا بد من إشراك الأساتذة من مختلف الكليات والتخصصات الأكاديمية في صنع القرار، ولا يجوز أن يقتصر تطوير التعليم الإلكتروني على المتخصصين في مجال تكنولوجيا المعلومات وتكنولوجيا التعليم، فهناك أساتذة من خريجي جامعات عالمية ذات خبرة بالتعليم الإلكتروني، وقد مارسوه فيها، كما يمكن تسمية هؤلاء ضباط ارتباط أو خبراء في كلياتهم لمساعدة زملائهم لا سيما أنهم أقرب في التخصص والمكان أيضا.
أما موضوع الغش في الامتحانات، فيمكن ضبط جزء كبير منه بتقليل الأعداد في الشعب بحيث يتمكن المدرس من مراقبة الامتحانات بصورة عملية وسليمة، ولا بد أيضا من التحوّل إلى شكل الامتحانات التي تتناسب مع التعليم الإلكتروني، كما يمكن عقد جميع الامتحانات داخل الحرم الجامعي، ومنها امتحان شامل فصلي أو سنوي للطلبة الوافدين الذين سيختارون الإلكتروني، وهناك بعض الجامعات تعتمد سفارات دولها أو مراكز خاصة لتقديم الامتحانات الإلكترونية في مختلف دول العالم، ولا بد لنا من الاعتراف أن الغش موجود في كل أنواع الامتحانات، وكتابة البحوث موجودة في التعليم الوجاهي أيضا، وفي دول متقدمة وكثيرة؛ وهنا تقع المسؤولية على المدرس الذي يمكنه مراقبة ذلك بواسطة الامتحانات الشفاهية، أو عقد الامتحان أمام كاميرا الكمبيوتر، وكذلك مناقشة الطالب في بحثه مناقشة عميقة بحيث يكشف عن حالات الغش الممكنة.