الثقة البرلمانية في مجالسنا لا تعني الأغلبية النيابية للحكومات

 كتب فهد الخيطان


الثقة البرلمانية في مجالسنا لا تعني الأغلبية النيابية للحكومات. لحظة الثقة هي مجرد ليلة حافلة بالألعاب النارية تضيء السماء لدقائق ثم يتلاشى بريقها.
ينبغي التوضيح ابتداء بأن نيل الحكومة الثقة ليس استثناء، في جميع دول العالم وإن اختلفت أنظمتها البرلمانية، حجب الثقة هو الاستثناء ومنحها هو القاعدة. لكن الفرق الجوهري بين نوعية النظام البرلماني الذي يحكم الحياة السياسية والقائم على الأحزاب والكتل البرامجية المتماسكة.

في برلماناتنا، حتى الكتل لا تصمد على موقف موحد في المحطات المفصلية، وتختفي نهائيا مع مرور الوقت، وعند التصويت على الثقة بحكومة الدكتور بشر الخصاونة شهدنا على تفاوت في الالتزام لدى بعض الكتل.نالت الحكومة ثقة 88 نائبا، وهو معدل قريب من ثقة حصلت عليها حكومات سابقة. لكن السؤال التحدي، هل ستختلف علاقة حكومة الخصاونة مع البرلمان الجديد عن سابقاتها؟
الثقة عبء ومسؤولية على الحكومات أكثر من الحجب، في ظل غياب الأساس البرامجي لمنحها، وهذا ما يجعل الحكومة تعاني من المانحين أكثر من الحاجبين.
يتكون البرلمان من أغلبية من النواب المستقلين، دعك من الكتل، ولكل نائب مصالح خدمية يسعى لتحقيقها، تخص منطقته وقواعده الانتخابية، ومدى استعداد الحكومة لتلبيتها هو المحدد الأساس لعلاقته وموقفه من الحكومة.
في تجربتنا النيابية الممتدة على ثلاثة عقود، دائما ما اصطدمت الحكومات مع نواب الثقة بعد دورة أو دورتين بسبب عجز الحكومة عن تلبية مطالب النواب الخدمية من مشاريع وتعيينات وغيرها من المصالح. الحكومات التي نجت من حجب الثقة هي فقط التي استجابت بشكل كلي للنواب، أو تلك التي استعانت بصديق للإفلات من حجب الثقة.وفي الحالتين، تتعمق أزمة الثقة الشعبية بالمؤسسات التشريعية والتنفيذية، خاصة عندما تتكشف حقائق الصفقات بينهما خلف الكواليس، ولنا في فضائح الحكومات السابقة خير مثال.
تلك هي إشكالية الحياة السياسية في الأردن، والتي تضع طرفي المعادلة أمام واقع لامفر منه، النواب يدارون قواعدهم الانتخابية لاعتبارات معروفة، والحكومات تجامل النواب وتسايرهم لتضمن البقاء وتمرير التشريعات المطلوبة. ومع مرور الوقت تأخذ العلاقة طابع الابتزاز الذي يرهق الحكومات والمجالس النيابية وما أن نبلغ السنة الأخيرة من عمر المجلس التشريعي يقضي الطرفان أشهرهم الأخيرة على أجهزة التنفس الاصطناعي حتى يحل موعد الخاتمة، فيغادرا الحياة وسط لعنات الجمهور.
منذ ثلاثين عاما لم ننجح بعد في اختراع صيغة سياسية تجنبنا هذا المصير، لقد جربنا كل الأنظمة الانتخابية تقريبا ولم نتمكن من الوصول لخلطة فعالة، تضمن علاقة صحية بين السلطتين، وها نحن بعد موسمين انتخابيين، وكما الحال في الماضي نلعن قانون الانتخاب ونطالب بتغييره، دون أن نقدم وصفة بديلة، لا بل أن بعضنا يريد أن يعود بنا إلى الوراء ثلاثين عاما لتجريب نظام انتخابي سبق لنا تطبيقه دون أن يحقق الغاية المنشودة.
كيف ستمضي علاقة حكومة الخصاونة مع مجلس النواب، بعد الثقة المعتبرة التي نالتها أخيرا؟ ما من سبب يدفعنا لتوقع نتائج مغايرة مادامت المعادلة هي ذاتها التي حكمت علاقة المجالس والحكومات السابقة.
المثير للقلق ليس أننا لا نملك بديلا للخروج من حالة الاستعصاء هذه، بل حالة الإنكار التي تلف الجميع، وكأن الوضع على أحسن حال.