صار لروسيا موقع مهم والثلاثي الإقليمي الإيراني والتركي والإسرائيلي في صراع وتنافس لكن أميركا لا تزال أقوى ضامن للأمن
رفيق خوري كاتب مقالات رأي
تعددت الاقتراحات والنتيجة واحدة: لا مجال لإقامة نظام أمني إقليمي في الشرق الأوسط. لا تحت مظلة نظام عالمي هو اليوم يشبه “نظام غابة” متعدد الأقطاب بعد سقوط نظام القطبين الأميركي والسوفياتي، ثم نظام القطب الواحد الأميركي، وصعود الصين وروسيا إلى جانب الولايات المتحدة على قمة العالم. ولا برعاية الأمم المتحدة. ولا بالتفاهم بين قادة المحاور في المنطقة.
قبل أسابيع اقترح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش إقامة نظام إقليمي جديد يقوم على استقرار الشرق الأوسط كما حدث في “هلسنكي” حيث جرى توقيع اتفاق الأمن الأوروبي.
كيف؟
ضمن “آلية جماعية من خلال إيران والدول العربية المطلة على الخليج وخماسية مجلس الأمن وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي”.
وتحدث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن صيغة أضيق بالدعوة إلى “بلورة نظام مستقر لضمان أمن الخليج”. ثم استدرك بالقول إن الطريق إليه لن يكون سريعاً ولا بسيطاً”.
والمقصود بالطبع هو نظام عربي- إيراني مشترك بتجاوز النظام الأمني القائم حالياً في إطار مجلس التعاون الخليجي والذي شهد دفعة إلى أمام في “قمة العلا” والمصالحة مع قطر.
إيران كانت ولا تزال تدعو إلى نظام أمني إقليمي قائم على إخراج القوات الأميركية من “غرب آسيا”.
والترجمة العملية لذلك هي نظام هيمنة إيرانية على دول الخليج، كما على اليمن والعراق وسوريا ولبنان وغزة.
هناك بالطبع طموح تركي إلى دور كبير في نظام أمني ممتد إلى ليبيا وأفريقيا، وتخطيط إسرائيلي لنظام أمني يمتد “من المتوسط إلى أفغانستان”. ومع أن المفترض أن تكون جامعة الدول العربية هي خيمة النظام العربي، فإن الدفاع المشترك الذي كان فعالاً، ولو بحدود، أيام الحروب مع إسرائيل، صار مجرد نص في الأرشيف. فضلاً عن أن حال عدد من الدول العربية التي كانت أساسية في الصراع تدعو إلى الأسف والرثاء. ومن المبكر تقدير المدى الذي يمكن أن يصل إليه انفتاح دول عربية على إسرائيل من ضمن الهواجس الأمنية حيال الخطر الإيراني.
ذلك أن حرص الملالي في طهران، على أن تكون المنطقة خالية من القوات الأميركية، هو من أسس مخططهم. فهم يعرفون كما يعرف سواهم أن لا قوة دولية أو إقليمية تستطيع التمدد إلا حيث تنسحب الولايات المتحدة. ولا أحد يستطيع إخراج أميركا إلا أميركا نفسها بقرار منها ضمن رؤيتها للحفاظ على مصالحها الحيوية. وهم يطمحون إلى إقامة “إيران العظمى” في شمال الخليج وبحر عمان ومن السند إلى غزة ولبنان، كما قال الجنرال محسن رضائي، أمين سر مجلس تشخيص مصلحة النظام.
لا بل إن الجنرال حسين سلامي قائد الحرس الثوري يقول إن “تدمير إسرائيل لم يعد حلماً بل صار هدفاً يمكن تحقيقه”. والجنرال علي حاجي زاده قائد سلاح الجو في الحرس الثوري لم يتردد في القول “لدينا أمر من المرشد علي خامنئي بتسوية حيفا وتل أبيب بالأرض في حال ارتكبت تل أبيب حماقة ضد إيران، وقد عملنا خلال سنوات لنكون قادرين على ذلك”. وقبله تفاخر جنرال آخر في الحرس بالقدرة على تدميرها خلال “سبع دقائق ونصف الدقيقة”.
لكن الواقع أن طهران لا تعرف ماذا تفعل من دون إسرائيل التي كانت ولا تزال ورقة فلسطين وشعارات العداء لـ”الشيطان الأصغر” تفتح طريق الملالي إلى بعض البلدان العربية. أليست هذه هي الحال التي عبّر عنها الشاعر قسطنطين كفافي بالقول “ماذا نفعل من دون البرابرة؟ إنهم نوع من الحلّ”؟
روسيا صار لها موقع مهم في الشرق الأوسط عبر المشاركة في حرب سوريا. والصين تحاول مد خطوط إلى المنطقة. والثلاثي الإقليمي الإيراني والتركي والإسرائيلي في صراع وتنافس على المسرح العربي. والشرق الأوسط ما عاد “بحيرة أميركية” كاملة، ولا صار بحيرة لأي قوة دولية أو إقليمية. لكن أميركا لا تزال أقوى ضامن للأمن في منطقة محاور متصارعة يصعب أن يكون لها نظام أمني إقليمي.