واقع الأمر يرسم مشهدا قاتما بكل المقاييس، وإن شاهدنا الرئيس المكلف في زيارته الحادية عشرة يسلم مسودة حكومية كاملة الأوصاف ليرد عليه رئيس الجمهورية بمسودة أخرى، وشتان بين المسودتين!! فبينهما البلاد والعباد الذين ينزفون يوميا ويغرقون في الطريق نحو الهاوية، حيث الأرقام تتكلم والنسب تتحدث وكأنها العرافة في زمن العرافين والمتنبئين.
لقد تنبأت العرافة في الأيام القادمة بما يلي:
أولا: البلاد مستمرة في مسلسل خسارة الوقت والجهد المصبوب في غير مكانه مع مزيد من الضغط من الأمريكي حتى الرمق الأخير، وربما يصبح أشد ضراوة في حال بلوغ نقطة الترسيم مع الإسرائيلي أماكن حرجة لا يرضاها الوسيط الأمريكي الذي نشك في نزاهته.
ثانيا: الشهور القادمة محملة بأحداث خطرة في الإقليم، فكيف ببلد في فوهة البركان حيث لعنة الموقع والجغرافيا التي ستودي بلبنان أو ما تبقى منه في بحر الآلام نتيجة التقاطع الحاصل فيه على محوري إيران- أمريكا وبينهما كثرة الوسطاء الذين لم يخرقوا في مكان؟
ثالثا: لا حكومة في الأفق وإن خرجت ستكون على شكل سابقاتها، حيث الفشل حليفها لأن لا شيء تغير في العقلية السائدة، فلا زال منطق المحاصصة والمماحكة هو الأساس، ولا اعتبار لا للدول التي تسعى لمساعدة لبنان ولا للحلفاء العرب المنكفئين، ولا لصوت انفجار المرفأ “بيروتشيما” الذي لا زال صداه يدوي في ضمير كل محب لست الدنيا بيروت.
رابعا: سيزيد الضغط على الليرة مقابل الدولار وستزيد ظواهر (اللولار- لبنار- لبناني) والتي هي مصطلحات نتيجة تعسف المصارف عن الدفع ورغبة المودعين في سحب الأموال. ولا شك في أن المزيد من الضغط على المودعين قادم، ولكن ماذا بعده في جمهورية المصارف بلا كابيتال كونترول؟
خامسا: ستتراجع أكثر قدرة اللبنانيين على الاستهلاك، بسبب القيود الإضافية على السحب النقدي. وتاليا سينكمش الاقتصاد المنكمش أصلا، حيث يتوقع تقرير البنك الدولي أن يصبح أكثر من نصف السكان فقراء بحلول 2021، وأن تبلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 194 في المئة، ارتفاعا من 171 في المئة نهاية 2019. ورجّح تراجع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بشكل حاد إلى -19.2 في المئة عام 2020، بعد انكماشه بنسبة -6.7 في المئة عام 2019، معتبرا أن انهيار الليرة أدى إلى معدلات تضخم تجاوزت حد الـ100 في المئة في المئة، في حين أشارت تقارير أخرى إلى بلوغه 365 في المئة، وكأننا نتجه نحو النموذج الفنزويلي الغارق في تضخم فاق 2150 في المئة.
سادسا: إن الواضح من الاجتماعات التي حصلت في السرايا أن لا آليات واضحة لرفع الدعم برغم قرب الوصول إلى الاحتياطي الإلزامي في مصرف لبنان، حيث لا جرأة ولا رغبة لدى حكومة دياب المستقيلة في مواجهة الناس، وعلى العكس هي تفضل أن تنفجر قنبلة غضب الناس إلى الحكومة الحريرية القادمة إن أبصرت النور!!
وعليه، وبناء على أرقام دائرة الإحصاء أيضا بشأن متوسط دخل الأسر في لبنان، تبين أن 18 في المئة من الأسر تتقاضى شهريا أقل من الحد الأدنى للأجور البالغ 650 ألف ليرة، وهناك 44 في المئة من الأسر تتقاضى أقل من مليون و200 ألف ليرة (نحو 150 دولارا)، وأن 73 في المئة من الأسر يقل دخلها الشهري عن مليونين و400 ألف ليرة (نحو 300 دولار)، وعليه الفقر سيأكل الأخضر واليابس وغضب الناس قادم، فاستعدوا..
سابعا: الهجرة مستمرة ونزيف العقول اللبنانية سيستمر لأي بعقة في الأرض حيث الفقر في الوطن غربة والغنى في الغربة وطن، وتشير النسب إلى هجرة نحو 45 ألف لبناني حتى آب/ أغسطس الفائت فقط، بينما هاجر نحو 65 ألفا طوال 2019، ونحو 40 ألفا في عام 2018، ما عدا هجرة اللاجئين الفلسطينيين والهجرة غير الشرعية.
ثامنا: إن ضخ كميات إضافية من الليرة في السوق ستكون حتمية، وبالتالي، سيصعب منع استمرار انخفاض قيمة الليرة، بما يعني أنّ سعر صرف الدولار في هذا الوضع سيرتفع أكثر وكأني بالدولار محلقا بلا سقوف. وليس بغريب أن نتذكر تقرير بنك أوف أمريكا الذي تحدث عن دولار فوق 40 ألف ليرة، ودعونا لا ننسى أن الكتلة النقدية بحسب المصادر فاقت 16 تريليون ليرة بعد أن كانت حول ستة إلى سبعة تريليونات قبل الثورة.
تاسعا: القطاع المصرفي إلى مزيد من الأزمات، حيث ستتضح المشكلات في العجز عن الرسملة المطلوبة منهم عبر مصرف لبنان لزيادة 20 في المئة من الرسملة، و3 في المئة مع المصارف المرسلة والسعي لعودة تحاويل كبار المساهمين والمودعين، ولكن كيف؟!! والسؤال الكبير حول ما إذا كان مصرف لبنان قادراً بعد على لعب دور المُنقذ في ظلّ تراجع قدراته المالية إلى مستويات مُقلقة. والواضح أنّ المصارف الكبيرة عاجزة عن أخذ المبادرات لإنقاذ مصارف صغيرة متعثرة، حيث تكبر المحفظة فتكبر الرسملة، وعليه سنشهد عملية تقليص للكلفة التشغيلية لدى كل المصارف، بما يعني الاستغناء عن عدد كبير من موظفي القطاع المالي والذي بدأ فعليا منذ ثلاث سنوات في أكثر من مصرف كبير في البلاد.
عاشرا: على اللبنانيين الاستعداد لهجرة ماركات عالمية جديدة غير التي غادرت أصلا، كذلك في ظل الحديث عن الدعم وترشيده ورفعه سيصبح سوق الدواء المتعب أساسا في حالة شلل، خاصة إذا ما عرفنا عدد الصيدليات التي أقفلت، فكيف إذا فُقد الغذاء والدواء والقدرة على الدفع للمدارس والجامعات، فإلى أين نحن ذاهبون؟ مؤكد بلا حكومة عنوانها الكفاءة والنزاهة والمضي قدما بالإصلاحات الجوهرية في الكهرباء، وهيكلة الدولة برمتها من موظفين وقضاة ومسؤولين، والسعي الحثيث لبلورة رؤية جديدة لدور لبنان في الإقليم وإنتاج صفقة مع أمريكا- بايدن، والبحث عن أفضل البرامج مع الصناديق الدولية إضافة إلى السعي لحل مشكلة الدائنين الدوليين وخفض كلف الدين العام الهائل، أو بكلام آخر دون هيكلة بنية الاقتصاد ودور لبنان، فإننا للأسف وبكل حرقة إلى المجهول المعلوم سائرون، وهو الانفجار الاجتماعي وغضبة الناس أو ما يسمى ربما الجحيم.