هي أحلام وأمنيات تتجدد مع نهاية كل عام، ويبقى الأمل أن تجد مكانها على أعتاب العام الجديد، ليكون الفرح حاضرا بتحقيق ولو جزء بسيط منها، فيشعر الفرد بالإنجاز والتقدم، وأن ما حلم به يوما تحقق أمام عينيه.
تلك الأحلام والأمنيات والأهداف، والإيمان بإمكانية تحقيقها، بات أمرا صعبا بعد أن غزت جائحة كورونا العالم، وغيرت مجريات الحياة كاملة، وبدلت كل تفاصيلها، ولم تعد العلاقات الاجتماعية كما كانت، في حين تراجعت الحالة الاقتصادية لكثير من العائلات.
كورونا جعل حالة “اللايقين” تتسيد، والخوف من القادم حاضرا، والحالة الضبابية تعم الأجواء، وتبدلت خطط الأفراد.
كل ذلك وأكثر، جعل الأمنيات الجماعية تتسيد على الفردية، بأن ينجو العالم بأكمله من الوباء، وتعود الحياة لطبيعتها كما كانت يوما، فذلك طغى على آمال صغيرة هنا وهناك، كما يرى كثيرون.
“لا نملك سوى أن نعيش اللحظة وندعو أن تنجو الانسانية بأكملها”، ذلك حال الكثيرين ممن لم يعد التخطيط للأهداف المقبلة أساسيا لديهم، وما يهم هو أن تكون الأيام المقبلة أفضل للجميع وتجاوز ما مر به الإنسان من وجع وخسارات وألم وحياة صعبة.
أن يأتي عام جديد حاملا معه كل الخير والحب والأمنيات، تلك أمنية الجميع، لكن ذلك لا يخفي الخوف من زيادة جرعة الأمل والتفاؤل ورفع سقف التوقعات، من ثم الانصدام بالواقع من قادم أصعب.
ولأول مرة منذ أعوام كثيرة، اختلف الحال؛ فالخوف والقلق من المستقبل والاكتئاب وغياب التفاؤل هي المشاعر المسيطرة، والسبب أن 2020 ترك آثارا وندوبا على عائلات فقدت أحباءها أو انهارت اقتصادياً، وأخرى تأثرت نفسياً ودخل الخوف حياتها مع غياب الأمان، وأصبح الأمل بانتهاء الأزمة والعودة الى الحياة الطبيعية هو أكثر ما يشغل العالم.
اختصاصيون اعتبروا أن طبيعة البشر بالأزمات تنصب على انشغالهم بكيفية الخروج من الأزمة والانتهاء منها قبل أي شيء آخر.
وفي ذلك، يذهب الاختصاصي الاجتماعي الدكتور حسين الخزاعي، الى أن هذا العام يختلف عن الأعوام السابقة سواء بالأحلام أو الطموحات والأمنيات التي يحملها الأفراد في نهاية كل عام، لتنصب كلها في أمنية موحدة بأن يكون العام 2021 خاليا من الأوبئة والأمراض، وأن تعود الحياة الى طبيعتها وتعم الصحة والهناء والسعادة على كل البشرية.
هذا العام تقل الطموحات الفردية، فالأحلام والمشاعر موحدة والهدف واحد، وهو تجاوز هذه المحنة التي تركت آثارها النفسية والمادية والمجتمعية والمعنوية على كل العالم، عدا عن فقد أعزاء على القلب من الأقارب والأصدقاء بسبب هذا الوباء.
وبالتالي، كل ذلك جعل التفكير منصبا على كيفية مواجهة هذا المرض والتغلب عليه، ومحاولة تعويض تبعات وآثار هذه الجائحة وبأقل الخسائر.
في حين يذهب الاختصاصي النفسي والتربوي الدكتور موسى مطارنة، إلى أن الإنسان عندما يختبر أزمة ما، يصبح همه الأول والأخير هو التخلص منها، وبالتالي تتوقف المبادرات لديه أو حتى التفكير في أي برنامج مستقبلي كون ما يسيطر عليه هو حالة من الخوف والفزع والقلق وأن ينجو بأقل الخسائر.
الانعكاسات على الفرد كانت كبيرة، وأثرت الأزمة على التوازن النفسي، وبالتالي عدم القدرة على التفكير الإيجابي، وهذا كله نتيجة للخطاب الإعلامي عن الجائحة وحالات الموت والإصابات، فالأرقام مفزعة ورهيبة، وكأن الموت أصبح قريبا أكثر من أي شيء آخر.
لذلك، يحذر مطارنة من الخطاب المقلق والمؤلم بما يضمه من أخبار لا تشي إلا بالأوجاع، كل ذلك له انعكاسات سلبية وغياب للأمان والسلام النفسي.
من هنا، لم يعد يحتمل الشخص كل ما يجلب له القلق والتوتر أو حتى التفكير بالتعامل مع الأزمة بشكل منطقي وأمل بقرب انتهائها، مبينا أن القدرات الدفاعية والمقاومة والمواجهة تختلف من شخص لآخر.
ومعظم الناس مصابون بالخوف من المستقبل، ما جعل نهاية العام التي اعتاد الناس على الاستعداد لها ووضع الأهداف والأمنيات مختلفة، وأصبح الأمل واحدا بأن تتخلص الإنسانية من وباء كورونا.
ويلفت مطارنة الى أن “الغموض” يسبب الخوف والكآبة عند الشخص، فهو يمضي نحو المجهول ولا يعرف ما هو مقبل عليه، ما يخلق حالة من غياب التوازن النفسي الذي ينعكس على المجتمع كله وهو أمر خطير.
لذلك، لا بد من أن يسود الخطاب الإيجابي الذي يمنح الناس الأمل بأن المستقبل أجمل وأن كل أزمة لها نهاية حتى يعود التوازن النفسي الى الناس.
وكشفت أول دراسة أكاديمية وطنية، عن أن الآثار النفسية المتفاوتة بين الشديدة والمتوسطة والبسيطة، والتي خلفتها جائحة كورونا، طالت نحو 6 ملايين شخص في الأردن بنسبة 65.3 %.
خبراء وأطباء وصفوا هذه النسبة التي توصلت إليها الدراسة بـ”الصادمة والمقلقة”، فيما تتعدد الحالات بين القلق والاكتئاب والهلع والخوف والعصبية المفرطة واليأس مدى الحياة.
ومن الأرقام الصادمة التي توصل إليها الفريق البحثي من جامعة البترا بالتعاون مع مستشفى الرشيد للطب النفسي وعدد من المؤسسات الأكاديمية، “أن 50 % يخافون من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية بسبب الحجر المنزلي وكان تأثرهم النفسي بأحاديث الأقارب وزملاء العمل أكثر من إصابتهم بالفيروس نفسه”.
ولدى مقارنة تداعيات المرض النفسي على الأردنيين مع الدول الأخرى منها كإسبانيا وإيطاليا وتركيا وأميركا، بجسب شنيقات، فإن المملكة تواجه “الأخطر” جراء العدد المنخفض من الأطباء النفسيين مقابل كل 100 ألف مواطن أردني، إضافة لأسباب اجتماعية تتعلق بوصمة العار المنتشرة في مجتمعاتنا العربية.
وبحسب معلومات راشحة من وزارة الصحة، تتوفر في المملكة 64 عيادة خارجية للصحة النفسية، واحدة منها مخصصة للأطفال واليافعين، فيما تتواجد معظم أسرة الصحة النفسية في الأردن في مستشفيات الأمراض النفسية بمعدل 8.2 سرير لكل 100 ألف مواطن، والوحدات النفسية للإقامة المجتمعية بمعدل 0.03 لكل 100 ألف مواطن.
يذكر أن منظمة الصحة العالمية، أكدت أن جائحة كورونا، يمكن أن تؤدي إلى مضاعفات عصبية وعقلية، مثل الهذيان والهياج والسكتة الدماغية، فيما الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عقلية أو عصبية أو اضطرابات موجودة مسبقا، هم أيضا أكثر عرضة للإصابة بالعدوى، وربما يكونون أكثر عرضة لخطر الإصابة الشديدة وحتى الموت.