يرى مراقبون أن فريق الرئيس الديمقراطي يبدو كأنه “نسخة محدثة” من إدارة أوباما
بعد دفعتين من التعيينات لكبار المسؤولين في إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن على المستوى الخارجي والاقتصادي، تتكشف يوماً بعد يوم ملامح سياسات الإدارة الأميركية الجديدة، التي ارتكن في أغلبها إلى عناصر خدمت سابقاً مع باراك أوباما.
وتدور التساؤلات في الأوساط الأميركية، بشأن الترشيحات الجديدة التي تتطلب مناصبها الوزارية والاستراتيجية تجاوز عقبة “تصديق الكونغرس” بحضوره الجمهوري القوي، لممارسة مرشحيها مهام منصبهم بعد العشرين من يناير (كانون الثاني) المقبل، وعما إذا كان فريق بايدن “نسخة محدثة” من إدارة أوباما، أو ولاية ثالثة للرئيس الديمقراطي في الفترة ما بين (2008-2016)، أم أن طبيعة تحديات المرحلة الاقتصادية وتداعيات تفشي كورونا، فضلاً عن شعار “عودة أميركا”، الذي كرره الرئيس المنتخب ونائبته كامالا هاريس، هي التي شكّلت هذا المزيج من الشخصيات وممثلي الأقليات والحضور الواسع للمرأة للمرة الأولى في تاريخ البلاد.
ظل أوباما يلاحق المرشحين
بعد أيام من تعيين فريق السياسة الخارجية، ممثلاً في أنتوني بلينكين (58 سنة) وزيراً للخارجية، والسفيرة ليندا توماس غرينفيلد (68 سنة) في منصب الممثل الدائم للولايات المتحدة في الأمم المتحدة، ووزير الخارجية الأسبق جون كيري لشؤون المناخ، وجايك سوليفان (43 سنة) مستشاراً للأمن القومي (عمل جميعهم مع بايدن وقت أن كان نائباً للرئيس أوباما)، قالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، إنها “رسالة إلى العالم بأن الولايات المتحدة عادت إلى الساحة الدولية، متجاوزة انعزالية ترمب”.
وأبقى الرئيس المنتخب دائرة اختياراته للمناصب الاقتصادية على “قدامى المحاربين” في إدارة أوباما، عاكسة وفق ما نقلت شبكة “سي أن أن” مزيجاً من دائرته الخاصة من الأصدقاء والمستشارين الوسطيين من ذوي الخبرة والتنوع، ومحاولة للوفاء بوعوده الانتخابية التي أطلقها طوال الشهور الماضية.
وفي أحدث اختيارات بايدن، التي تركزت على فريقه للسياسة الاقتصادية، جاء تعيين رئيسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) السابقة (في الفترة ما بين 2014-2018)، جانيت يلين (74 سنة) وزيرة للخزانة، التي كانت قد رأست مجلس المستشارين الاقتصاديين في إدارة الرئيس بيل كلينتون، وهو ما يعني أنه في حال المصادقة عليها من قِبل الكونغرس ستكون أول امرأة تتبوأ وزارة الخزانة في تاريخها الممتد 231 عاماً. وكانت يلين قد كسرت الحواجز بتعيينها أول امرأة على رأس الاحتياطي الفيدرالي. وستوكل إليها، وفق تصريحات بايدن، مهمة إعادة إنعاش الاقتصاد الأميركي المنهك من تداعيات كورونا.
وفي سياق ترشيحات الفريق الاقتصادي ذاته، رشِّح والي آدييمو نائباً ليلين في الخزانة، الذي كان نائباً لمستشار الأمن القومي في عهد أوباما، ثم تولى رئاسة مؤسسة أوباما التي تشرف على التخطيط لمكتبة الرئيس الديمقراطي السابق. كما جرى ترشيح نيرا تاندن المديرة التنفيذية لمركز التقدم الأميركي للأبحاث، لرئاسة مكتب الإدارة والموازنة، وهي التي ساعدت إدارة أوباما في وضع برنامج “أوباما كير” للرعاية الصحية، الذي سعى الجمهوريون لتنحيته جانباً. حيث ستكون تاندن أول سيدة ملونة تقود مكتب الإدارة والموازنة إذا جرى التصديق على تعيينها.
كما اختار بايدن سيسيليا راوس، وهي اقتصادية تدير كلية برنستون للشؤون العامة والدولية، لرئاسة مجلس المستشارين الاقتصاديين. وكانت عضواً في المجلس في عهد أوباما في الفترة من 2009 إلى 2011. وكذلك ستنضم إلى المجلس هيذر بوشي، المصنفة كـ”خبيرة اقتصادية بارزة”، التي شاركت في تأسيس مركز واشنطن للنمو المنصف وتركز في عملها على الفوارق الاقتصادية.
تعيينات متنوعة
وبخلاف اختيارات ترمب في أول عهده الرئاسي في يناير 2017، الذي اعتمد على رجال من البيض لشغل المناصب الرئيسية، وصفت تقارير أميركية “التعيينات المبكرة” لبايدن بأنها شديدة التنوع، بما شمل تعيين فريق كامل من النساء مسؤولاً عن شؤون الاتصال في البيت الأبيض. وبحسب تصريحات بايدن نفسه، قال إن “الفريق يشبه أميركا، ولديه جدية في تحقيق الهدف، وأعلى درجة من الكفاءة وعقيدة لا تحيد في آفاق بلاده. سيكون الفريق مستعداً من اليوم الأول للعمل من أجل كل الأميركيين”.
وجات ترشيحات فريق بايدن الاقتصادي، بعد يومين من تشكيله فريق الاتصال الخاص به في البيت الأبيض، الذي سيكون مكوّناً من الإناث حصراً، وهو ما وصفه مكتبه بأنه الفريق الأول من نوعه في تاريخ البلاد، الذي اعتمد كذلك على عناصر خدمت في عهد أوباما.
فمن بين الشخصيات التي اختيرت جاء اسم جين ساكي (41 سنة) التي ستكون متحدثة باسم البيت الأبيض، وهو منصب بارز. وكانت شغلت سابقاً عديداً من المناصب العليا، بينها مديرة الاتصالات بالبيت الأبيض في ظل إدارة أوباما. وإضافة إلى ساكي، أعلنت ست شخصيات أخرى، بينها كيت بيدينغفيلد التي كانت نائبة لمدير حملة بايدن، التي ستشغل منصب مديرة الاتصالات في البيت الأبيض.
أمّا آشلي إتيان فستشغل منصب مديرة الاتصالات لنائبة الرئيس كامالا هاريس، وسيمون ساندرز ستكون كبيرة مستشاري هاريس والمتحدثة باسمها. وستكون بيلي توبار نائبة لمديرة الاتصالات في البيت الأبيض، وكارين جان بيير نائبة المتحدثة باسم البيت الأبيض. واختيرت إليزابيث ألكسندر مديرة لاتصالات السيدة الأولى جيل بايدن.
ولا تتطلب هذه التعيينات موافقة مجلس الشيوخ، على عكس المناصب الوزارية. وبحسب بايدن، فإن فريق الاتصالات بالبيت الأبيض، والمكون بالكامل من النساء “سيوفرن وجهات نظر متنوّعة لعملهن”، ويتشاركنَ الالتزام نفسه “بإعادة بناء هذه البلاد بشكل أفضل”.
وتحدثت تقارير عن أن هناك عدداً من التسميات الأخرى. وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن هذه التسميات ستشمل سيسيليا روس كأول امرأة سوداء تقود مجلس المستشارين الاقتصاديين، ونيرا تاندين كأول أميركية من أصل هندي على رأس مكتب الإدارة والموازنة.
عقبة التصديق في الكونغرس
مع تأكيد الرئيس المنتخب عدم “استنزاف الوقت” على صعيد الأمن القومي والسياسة الخارجية، معتبراً أن مرشحيه “اختبروا الأزمات، وامتحنتهم بقدر ما هم مبدعون وخلاقون”، تصطدم أولويات بايدن ممثلة في اختياراته التي أعلنها مُرشحه لوزارة الخارجية بلينكين، في قيادة عملية متسارعة لاستبدال النهج “الانعزالي” الذي اعتمده ترمب، بعودة أميركا إلى حلفائها، وبدء مسار إعادة البلاد إلى اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية، مع عقبة التصديق في الكونغرس، لا سيما في ما يتعلق بالمناصب الوزارية، وهو ما اعتبرته صحيفة “نيويورك بوست” الأميركية، بأنها “ستشهد (معركة تصديق الكونغرس) استنزافاً من قبل الجمهوريين”.
ومن المتوقع أن تواجه إدارة بايدن عقبات كبيرة، تحديداً في مجلس الشيوخ الذي يحظى بغالبية الجمهوريين، ما سيدفعه إلى البحث عن آليات تضمن تمرير تشكيلة حكومته المرتقبة، لتحقيق الرؤى والسياسات التي يتبناها. وينبغي المصادقة على تعيينات بايدن الوزارية في مجلس الشيوخ، وقد تكون هذه المهمة شاقة، إذ إن الديمقراطيين لم يضمنوا بعد حصولهم على أكثرية مقاعد مجلس الشيوخ، بخلاف إدارة الرئيس الأسبق أوباما عندما تسلم مهامه في يناير 2009، في خضمّ أزمة مالية.
وتقول “نيويورك بوست”، إنه مع وجود حاجز محتمل للحزب الجمهوري أمام الرئيس المنتخب تزداد التكهنات حول تعييناته الوزارية حال فشل حزبه الديمقراطي في الفوز بغالبية بمجلس الشيوخ في الانتخابات الحالية، مشيرة إلى احتمالية خروج بعضهم مع رفض التصديق.
أي ملامح تصبغ سياسات بايدن؟
بحسب مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، ترتكز أولويات الرئيس المنتخب بالأساس على ثلاث ركائز، هي إعادة توحيد الأميركيين بعد “سنوات انقسام ترمب”، وإنعاش الاقتصاد الأميركي من تداعيات كورونا، إذ تقبع بلاده على قائمة الدول الأكثر تتضرراً من الوباء، وأخيراً تصوره لما ينبغي أن تكون عليه السياسة الخارجية، بعد الاعتقاد بأن واشنطن تراجعت عن دورها التقليدي في العالم.
وعلى صعيد السياسة الخارجية، كرر بايدن في أكثر من مناسبة بعد إعلان فوزه بالانتخابات الرئاسية، التي أجريت في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني)، أن واشنطن ستأخذ دور القيادة العالمية في المحيط الهادي والأطلسي وتعزيز التحالفات، ولن يكون لها دور في النزاعات غير الضرورية، وذكر في معرض تقديمه لفريقه للأمن القومي في وقت سابق من نوفمبر، إن “الولايات المتحدة جاهزة لقيادة العالم، وهو يقدّم فريقاً يحافظ على أمن وسلامة الولايات المتحدة وشعبها. إدارة مستعدة لمواجهة خصومها من دون رفض حلفائها”.
ووفق محللة الشؤون الدولية في شبكة “سي بي أس”، كارول كاين، فإن بدء بايدن “تعييناته باختيار فريق سياسته الخارجية دليل على أنه يريد توجيه رسالة إلى العالم بأن الولايات المتحدة عادت إلى الساحة الدولية، من خلال وجود أشخاص ذوي كفاءة”.
وفي المقابل، تثير التعيينات الجديدة للرئيس المنتخب التساؤلات حول مدى نفوذ أوباما في الإدارة المقبلة، وهو الأمر الذي وصفته صحيفة “الغارديان” البريطانية، بالقول إن “ظل أوباما يلاحق بايدن”، مشيرة إلى أن الرئيس الديمقراطي الأسبق، وبعد أن توارى عن الأنظار 4 سنوات منذ دخول ترمب البيت الأبيض، عاد خلال الأسابيع والأشهر الأخيرة ليظهر في كل مكان، في التلفزيون والراديو والإنترنت وفي المكتبات.
وفي مقابلة مع قناة “سي بي أس” الأميركية، عن مذكراته “أرض الميعاد”، الصادرة أخيراً، سئل أوباما عن مدى النفوذ الذي قد يمارسه هو وحلفاؤه عندما يتولى نائبه السابق جو بايدن الرئاسة في يناير المقبل، ليرد بالقول، “بايدن لا يحتاج إلى نصيحتي، وسأساعده بكل الطرق الممكنة، لكني لا أخطط الآن للعمل فجأة ضمن موظفي البيت الأبيض أو شيء من هذا القبيل”.
ويخشى منتقدو عهد أوباما من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، من إحياء سياسات التدخل العالمية التي سبقت ترمب، إضافة إلى وعد الرئيس المنتخب وأعضاء فريقه بإحياء مبادرات عهد أوباما، مثل اتفاق باريس للمناخ الذي انسحب منه ترمب والاتفاق النووي مع إيران، متعهدين إعادة التزام التحالفات الأميركية القديمة.
وإجمالاً، يرى مراقبون أن نهج بايدن حتى الآن، يبدو وكأنه “نسخة محدثة” لإدارة أوباما، وذلك على رغم أن السياسات الخارجية للرئيس المنتخب لن تتقرر إلا بعد أن يتسلّم مقاليد الحكم في البيت الأبيض الشهر المقبل.