مر ما يكفي من الوقت لكي ندرك أن وباء الكورونا سيظل هو التحدي الأكبر الذي يواجهه العالم، ربما لبضع سنوات قادمة، وأصبح من الواضح أن الفيروس يضرب مفاصل الدول مثلما يهاجم جسم الإنسان، وحتى الآن لا يملك الأطباء وصفة طبية شافية، ولا تملك الحكومات خطة محكمة لإنقاذ اقتصاديات الدول، أو إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، لتعود الحياة إلى سابق عهدها، كما كانت عليه في العام الماضي.
ما من عودة إلى مرحلة ما قبل الجائحة على ما يبدو، فالكيانات الفردية والجماعية تتغير، من دون أن تتعافى من المرض، وهذا التغير تفرضه الحياة بطبيعتها، وتقوده نحو عالم جديد يفرض شروطه وأدواته وأساليبه ومستوياته، ولم يعد ممكنا القبول بمفهوم مناعة القطيع للتعايش مع الوباء، لأن إنتشاره لا يهدد صحة البشر من دون أن يهدد قدرات الدول، مهما بلغت قوتها الاقتصادية، وها هم خبراء المال والأعمال الدوليون يحذرون من كارثة اقتصادية عالمية على وشك أن تقع!
النظرة إلى الماضي أصبحت بلا معنى، وكل ما يرتبط به من أولويات ستتغير حتما، سواء على مستوى الأفراد أو الحكومات، وحتى مفهوم “تحويل التحديات إلى فرص” سيصبح مفهوما يتعلق بالفرد وليس المؤسسات العامة والخاصة وحدها ذلك أن كل إنسان سيتوجب عليه إعادة النظر في أولوياته حتى يتمكن من مجاراة العالم الجديد، معتمدا على نفسه، باحثا عن وسيلة ما تضمن له مواصلة حياته، وحياة كل المرتبطين به اجتماعيا ووظيفيا.
المرتبكون والمترددون والمنتظرون للمعجزات عليهم أن يدركون الآن وقبل فوات الأوان أن كل ما يقال لهم عن لقاحات لم تنتج بعد بصورة كافية أو مضمونه لن تفيدهم في شيء، لأن معظمهم في الأصل أصحاء، وبإمكانهم أن يحافظوا على صحتهم من دون اللقاح إذا هم التزموا بوسائل السلامة والوقاية المعروفة، ولكن الأهم الآن بالنسبة للجميع هو التأكد من أننا نعيش الفترة الحرجة ما بين مرحلة انتشار الوباء، ومرحلة ما بعد الوباء، فلم يعد هناك مرحلة لما قبل الوباء لأن الحياة الإنسانية قد تبدلت من العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي، فإما أن يجد الإنسان نفسه فيه، وإما أن يظل تائها بين الفرضيات والاحتمالات والتمنيات!