يتساءل العديد من المواطنين العرب بدهشة عن مستقبل الأمة العربية خلال القرن الواحد والعشرين، في ظل الانقسامات الداخلية والحروب البينية، والهروب إلى الأمام من الأزمات المتسارعة؛ بالقفز على الواقع الحضاري والموروث القيمي والإرث التاريخي للأمة، وتحييد رأي الشعوب ورغبتها في صناعة المستقبل.
وتبدو آمال وطموحات المواطن العربي من المحيط إلى الخليج شبه محطمة نتيجة سياسات النظام العربي الرسمي.
هذا النظام وضع العرب أمام تركة من الشتات والتمزق بمحاولاته المتكررة الانسلاخ من التاريخ والقيم الكبرى للأمة، تارة بالارتماء في أحضان أعدائها، وثانية بتعليق آمالها على جلاديها، وأخرى بقمع الشعوب وقهرها بالحديد والنار بعد أن ساهم بشكل متواصل بتجهيلها وإفقارها وتركها ضحية للأمراض والأوبئة الفتاكة.
إن مرحلة التيه التي يعيشها العرب اليوم؛ بدأت منذ زمن ولا أحد يتكهن متى يصبح العرب رقما مهما في المعادلة الدولية، وهو ما بات ميؤوسا منه على الأقل في المستقبل المنظور.
ومع أنه بإمكان العرب تغيير واقعهم المحبط لأسباب عديدة؛ منها تحكمهم في أهم طرق الملاحة الدولية بحرا وجوا أو برا، كما يشكلون همزة وصل بين قارات العالم، وفي الوقت ذاته يعوم العرب فوق محيطات من النفط والغاز ومختلف المعادن، لكن شعوبهم لم تستفد منها شيئا، بل جلبت عليها غضب العالمين وباتوا محل تنازع الأصدقاء والأعداء؛ أحدهم يبيع السلاح والآخر يهدد بالاجتياح، وكل يوم يضيق هامش المناورة.
وللقارئ الكريم ملاحظة ما يلي: الاحتلال الإسرائيلي الذي يسارع البعض للتطبيع الكامل معه يلتهم كل يوم ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، وربما الدور قادم على الأردن كوطن بديل للفلسطينيين وستتم إزاحته إلى أراض عربية جديدة.
الإيرانيون يسابقون الريح في تطوير الأسلحة المختلفة، بما فيها الصواريخ بعيدة المدى والطيران المسير بخبرات روسية وصينية، بهدف تنفيذ الاستراتيجية الإيرانية المعروفة بنظرية “أم القرى” والرامية إلى اعتبار الوطن العربي مجالا حيويا لها وفي مقدمته دول الخليج العربية.
أما الروس فلم يكتفوا بالتواجد والهيمنة على الدولة السورية ومدنها وموانئها، بل ها هم يتمددون نحو البحر الأحمر، وهذا يبرز من الاتفاق مع السودان للحصول على موطئ قدم للقوات الروسية هناك، وربما بات أمرا واقعا لهذه القوات التي باتت توسع نفوذها يوما بعد آخر.
وفي الوقت نفسه، ترعى موسكو نشاط شركات القتل والمرتزقة (فاغنر)، فيما لا تزال الولايات المتحدة تمارس أسلوب العصا والجزرة مع إيران وتبيع الوهم لحلفائها بتوجيه ضربات قاصمة لها.
ولعل ثورات الربيع العربي مهما كانت وجهات النظر حولها فإنها كانت فرصة تاريخية لامتلاك ناصية القرار السياسي العربي، غير أن قوى الثورة المضادة وجذور الدولة العميقة ولوبيات الفساد وجماعات التغريب والانتهازية السياسية قوّضت أحلام الملايين بحياة حرة وكريمة.
ومع ذلك، فإن تلك المعوقات وغيرها لن تنال من عزم الشعوب التوّاقة للحرية والاستقلال الفكري والسياسي بفعل تجذر الوعي لدى قطاعات واسعة من الأمة، ومن المستحيل أن يعود وضع ما قبل ٢٠١١م، نظرا للتطور الفكر السياسي العربي.
وما بات معلوما، أن هذه الأمة تمرض لكنها لا تموت، وتتعثر لكنها لا تنكسر، ولا تعرف الاستسلام، وهو ما يدعو للوقوف بجدية أمام التحديات الراهنة التي تحاول اقتلاع الهوية من جذورها.
والثابت في هذا الواقع هو أن الشعوب باقية، فيما الأنظمة والمحتل إلى زوال”، ولذلك، فحاجتنا تكمن في التركيز على العلم واقتحام فضاءاته، فلا شك في أن ذلك يعد المدخل لتغيير المعادلة الظالمة على أمتنا، ولنا في شعوب اليابان وألمانيا أمثلة حية.