حسين هزاع المجالي
لا ينكر أحد أن كثيرا من المؤسسات الحكومية تعاني من أزمة الإدارة، فالتخطيط على ما يبدو قصير الأمد ولا يأخذ بعين الاعتبار الإحاطة بكل الزاوية لذا سرعان ما يحدث الارتباك وتتزايد الأخطاء.
كما هو معلوم، ثمة فرق شاسع بين رجل السياسة ورجل الإدارة، فالأول عندما يتسلم منصبا يكون تفكيرة منصبا على الكليات التي يدرسها من جميع جوانبها وأثر أي قرار على مختلف القطاعات وبالضرورة على المجتمع بشكل أساسي.
فيما يذهب رجل الإدارة، إلى العناية بالفنيات والجزئيات وتنسيق القرارات وفقا لما رسمت إليها من استراتيجيات كلية وأثرها وتأثيرها على الوطن والمواطن.
الأزمة التي تحصل في ضعف التخطيط أحيانا تنتج عن تولي الإداري (المدير) زمام القيادة ليكون الأول في القطاع المسؤول عنه، ما يغيب التخطيط الاستراتيجي الذي أشرنا إليه آنفا عن الخطط فيحدث الارتباك وتتزايد الأخطاء بعدم الإحاطة بكلية الدائرة أي بمعنى آخر بأثر القرار على المجتمع والناس.
لقد ظهر جليا خلال الفترة الماضية تسلم أشخاص مناصب قيادية مهمة دون أن يكون لديهم تاريخ بالإدارة أو أن يكون لديهم أي ملمح في العمل السياسي، فكان الارتباك والأخطاء أشد وطأة في القطاعات التي يتسلمون زمامها، وهو ما أثر على قطاعات أخرى وربما على الأداء العام.
ما يعني أننا وفي غفلة من الزمن نسينا كل ما راكمته الإدارة الأردنية التي كان مشهودا لها بإجلاس من لا يستحق في موقع هو بأمس الحاجة لأن يجلس على كرسي إدارته شخص يستحق وقادر على احداث الأثر والنهضة التي نرجوها لرفعة البلاد والعباد.
نعلم أن القطاع العام لدينا متخم في عدد الموظفين، وأن هناك حاجة لترشيق الجهاز للوصول إلى ما نصبوا إليه من الموظف العام في تقديم الخدمة التي تليق بالإنسان الأردني.
غير أن قرار الإحالة على التقاعد قد يكون له تداعيات مستقبلا من ناحية إفراغ بعض القطاعات من كفاءات إدارية مهمة تحتاجها الدولة لتقديم الأداء الذي نطمح إليه.
ذلك أن قرار مثل هذا يأتي في وقت لم نعمل به بشكل جاد على تأهيل قيادات من الصف الثاني والثالث حتى يكونوا قادة إداريين في المستقبل، وحتى لا نترك المجال لإحداث أي فجوة في أي من القطاعات التي قاعدنا قيادات الصف الأول فيها.
تجديد الدماء دائما ما كان مطلبا مهما لإدامة العمل بل وتطويره وتحديثه بما يتناسب مع التطور الهائل في التكنولوجيا التي باتت تدخل في أدق تفاصيل العمل، غير أن المهم هو سؤال ومفاده، ماذا فعلنا من أجل أن نخلق مثل هؤلاء القادة؟، وهل القائد السابق سعى بشكل جاد لتطوير مهارات من يعملون تحت قيادته ليكون بديلا متطورا عنه في المستقبل القريب؟ أم أن بعض قياداتنا الإدارية تصرفت وتتصرف اليوم وكأنها القائد الملهم الذي لم تنجب الأمهات من يوازي علمه وخبرته قبلا أو بعدا؟.
لدينا مشكلة في الإدارة، وهو ما يتطلب العمل سريعا على إنتاج قيادات جديدة إذ لا يمكن أن يكون ذلك هكذا بكبسة زر، إذ يحتاج إلى تخطيط شمولي طويل الأمد وعمل جاد إن كنا نسعى جادين إلى إحداث نهضة في أسلوب وشكل إدارة المؤسسات الحكومية.
لذلك، قد يكون ممن اقتربوا من سن التقاعد المدني أو من هم على الضمان الاجتماعي من يستحق أن يظل في موقعه، وربما منهم لم تتح له الفرصة لتسلم زمام القيادة ليحدث الفرق المأمول.
بالتالي فإن التأني في ذلك مطلوب، هذا من جانب ، ومن آخر فإن ما يجب إدراكه أن هذا النوع من القيادات هي قيادات إدارية فنية مهنية، لا يمكن أن تكون بديلا عن القيادات السياسية التي لها ما لها فيما إذا تسلمت زمام المنصب الأول في قطاع ما.
والفرق بين السياسي والإداري واضح وبين كما أسلفنا، وأيضا فمثلما نحتاج إلى إداري فني مهني يهتم بالجزئيات وآليات تنفيذ القرارات فإننا أيضا نحتاج إلى السياسي القائد الذي يفكر بشمولية ويدقق في أثر وتأثير ما يفكر به أو يقرره على الوطن ككل وعلى المواطن باعتبار خدمته غاية ما يجب أن يهتم به السياسي والإداري.
وفي ذات الوقت ان زخم الحديث عن الفساد بشقيه الإداري والمالي انعكس سلبا على أداء إدارات القطاع العام نحو التغيير والإصلاح، ما دفع هذه الإدارات إلى الحفاظ على ما هو متاح او التراجع خطوة إلى الوراء ، والعلاج لا يأتي إلا بتطبيق سيادة القانون بين الإدارات وموظفبها وزيادة فرص التدريب والتأهيل لهم على مبدأ الحاكمية الرشيدة .