بقلم : فهد السالم صقر
باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية
يُلاحظ المُتَتبِع للعلاقة بين أمريكا وايران خلال العقدين الماضيين أن هناك نمطا متكررا يُميز هذه العلاقة ، يُحاكي إلى درجة كبيرة لعبة القط والفأر في برنامج الصور المتحركة توم آند جيري ، و يَتَمظهر على شكل تصعيد إعلامي مُفَبرك ، يتكرر بمعدل مرة أو مرتين في السنة (Fake escalation) . يصل هذا التصعيد أحيانا إلى الحد الذي يعتقد البعض أن البلدين على حافة حرب واقعة لا محالة، ثم فجأة يختفي التصعيد الإعلامي كليا وكأنه حَمَل كاذب، أو كما لو أن أحدهم ضغط على زر ( mute) فأخرس جميع وسائل الإعلام. المُلفت في الأمر، أن الهدوء وعودة الأمور إلى طبيعتها بعد كل “مسرحية” تصعيدية لا يحدث نتيجة تفاهمات ما ، تم التوصل اليها، أو مفاوضات أو وساطة طرف ثالث أو ما إلى ذلك . بل على العكس تماما ، فغالبا ما يبدأ التصعيد دون مقدمات ويختفي دون مبررات ، أشبه بأعمال الخدع و خفة اليد التي يمارسها السّحَرة في العروض الترفيهية.
أليس من حقنا إذن أن نتساءل في كل مرة ما الذي تغيّر ، ( شو عدا ما بدى ) لماذا يتوقف الردح و التصعيد فجأة وتسكت طبول الحرب الوهمية مع أن شيئا لم يتغير؟ أم أن عملية ذر الرماد في العيون قد إنتهت وأنجزت المهمة أهدافها حتى إشعار آخر؟ ما الداعي للتصعيد أصلا، والدولتان متفقتان ومتناغمتان (in total sync) في كل ملفات المنطقة؟ فهم شركاء ( وحبايب) في الملف العراقي منذ الغزو عام 2003 وقبل الغزو وكذلك الأمر شركاء و( حبايب) في الملف الأفغاني منذ 2001. أما في الملفين السوري واللبناني فالتنسيق والتناغم بين البلدين جار على قدم وساق وعلى رؤوس الأشهاد فالدولتان تلعبان ضمن نفس السيناريو بالتفاهم والتراضي ، إما عن طريق الوكلاء أو بالحوار المباشر، دع عنك التصريحات والتصريحات المضادة هنا وهناك في الإعلام لزوم التحشيش. أما بالنسبة للإتفاق النووي ، فلم يكن إلغاؤه بشكل أُحادي من جانب إدارة دونالد ترامب في 8 مايو 2018 إلا عملية إستعراضية تدليسية رخيصة من نجم تلفزيون الواقع دونالد ترامب ، لم تُقدم ولم تُؤخر، وسأشرح ذلك ذلك لاحقا.
إذن لماذا كل هذه الخزعبلات والمسرحيات الإعلامية و التدليس السياسي ولعبة الثلاث ورقات التي تلعبها الدولتان؟ بالتأكيد هذا ليس عبثا و تسلية أو تضييع وقت ، فهناك غايات خبيثة لهذه اللعبة لها نتائج وآثار خطيرة ، بعضها معلوم ومفضوح للكثيرين، وبعضها مخفي لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم (ورجال الإستخبارات في البلدين). فأمريكا معنية بتخريب المنطقة وتكريس حالة عدم الإستقرار السياسي فيها خدمة لأهدافها الإستراتيجية ( أنظر مفهوم الفوضى الخلاقة ( الهدامة) ، التي بَشّرَت به علانية كوندوليزا رايس ، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة في إدارة الرئيس جورج دبليو بوش ، في مطلع العام 2005 ) و إيران مهووسة بما يسمى بتصدير الثورة و مد نفوذها والتوسع في المنطقة على حساب جيرانها ؟ و تستخدم التشيع بنسخته الصفوية بخُبث ودهاء، كأداة من أدوات بسط نفوذها السياسي في المنطقة ، وهذا أمران يتوافقان و يتكاملان جيدا مع بعضهما البعض وفق الرؤيا الأمريكية-الصهيونية، الفوضى الخلاقة وتصدير الثورة.
علما بأن ايران ليست معنية كثيرا بنشر التشيع الصفوي إلا بالقدر الذي يُمَكِنها من نشر الفتن ونثر بذور الفرقة لتتماشى مع خطط الشيطان الأكبر التي تَدّعي محاربته. فهي تًستخدم المذهب الشيعي الإثني عشري بنسخته المُحرّفة فقط كحصان طروادة و كذريعة لحشد المقاتلين والمليشيات في سوريا والعراق ولبنان بتعبئتهم مذهبيا ، وإقناعهم بأنهم يدافعون عن المذهب وعن آل البيت ، ويثأرون لدم الحسين رضي الله عنه – الذي هو منهم براء- . والدليل على ما أقول ، أن ايران لا تقوم بأي نشاطات تبشيرية خارج الدول الإسلامية مطلقا.
فحيث يوجد الفقر في المجتمعات الإسلامية السُنّية تنشط ايران ومراكزها الدينية وحسينياتها، فتراها تفتح مراكز دينية مثلا في دول كجزر القمر ومالي وموريتانيا والجزائر ، وحتى في غزة – فلسطين قامت بتمويل بعض محاولات التشيع ، مستغلة ضعاف النفوس وحاجة الناس إلى المال. بالإضافة لنشاطات التشيع وفتح الحسينيات التي تجري على قدم وساق في مناطق سورية سُنّية كدير الزور و ريف دمشق ، و وسط دمشق و حمص و حلب وغيرها. بينما لا نسمع لايران حس أو خبر في أوروبا أو أمريكا اللاتينية أو جنوب الصحراء الأفريقية في الدول المسيحية. فايران معنية بالتبشير لمذهبها في الدول الإسلامية فقط إبتغاءَ الفتنة ، أما في الدول غير الإسلامية فنشاطاتها ” الدَعَوية ” معدومة تماما.
هذه الحقيقة العقائدية ( وطبيعة وتاريخ الخلاف السني -الشيعي) وغيرها من خُزعبلات ايران المُبتدعة لا تَخفَى على أمريكا وربيبتها إسرائيل ، وتًدركانها جيدا ، وتستفيدان منها لأقصى حد. فأمريكا تَعي تماما ما هي الشيعة الإثني عشرية ، كما تعرف أيضا ما هي النُصيريّة العَلَوية في سوريا ، ومَن هو بشار الأسد بالضبط وما هو موقف أهل السنة والجماعة من كل مذهب أو فرقة و بالعكس، وتعرف تاريخنا و تراثنا أكثر مما يعرفه بعض أبناء جلدتنا من العلمانيين والقوميين وما يُسمى باليسار العربي من السُذّج المغرر بهم . وتعرف ايضا أن قيام ايران بالتمدد ونشر التشيع و بناء الحُسينيات والمراكز الدينية في المجتمعات ذات الأغلبية السُنيًة لا يأتي من ورائه خير مطلقا ، بل يأتي من وراءها كل الشرور. لأنه يُؤلّب السُنة ويُؤجج الصراعات والنزاعات في المجتمعات ويَخلق حالة من عدم الإستقرار و حساسيات لها أول وما لها آخر ، وهذا بالتحديد ما تبحث عنه أمريكا.
بالإضافة لزعزعة الإستقرار في المنطقة ، تستخدم أمريكا ايران كوسيلة إبتزاز و مُبَرر ومُسوّغ لحلفاءها في الأنظمة التابعة (Client regimes) للدخول في إتفاقيات دفاع وعقود تَسَلح بمئات المليارات من الدولارات لمواجهة البُعبع الإيراني الوهمي المُصطَنع ( أبو قدم مسلوخة ). وتوفر أمريكا من وراء تلك العقود ملايين فُرَص العمل المُجزية لمواطنيها ، مما يُسهم في دعم إقتصادها والقضاء على البطالة ، بالإضافة لتحسين ميزان المدفوعات لديها ، وذلك عن طريق إغراق أسواق الشرق الأوسط بالتخلص من أسلحتها وأنظمتها الدفاعية المنتهية الصلاحية أو قديمة الطراز . أما قادة الكيان الصهيوني وخاصة بنيامين نتنياهو وغيره من اليمين المُتطرف، فقد دأبوا منذ عقود على إستغلال هذا الخطر “الوهمي” كشماعة لتخويف ناخبيهم والمزاودة على خصومهم داخليا . وخارجيا لحشد التأييد و جلب المساعدات والدعم من الحلفاء الغربيين ، بحجة مواجهة عدو خطير و تهديد أمني وجودي، هو في الحقيقي خطر كرتوني مُزيف غير موجود.
لأنه لو أن ايران فعلا تُشكل خطرا وجوديا على اسرائيل لقامت أمريكا والدول الكبرى بمحوها عن الوجود في غضون أيام، وليس درس صدام حسين عنا ببعيد ، فصدام حسين لم يكن يشكل إلا تهديدا ” محتملا” أو مستقبليا ، مُتَخيلا ، على وجود الكيان الصهيوني ، ومع ذلك قاموا بتدمير ( إقرأ حرث) العراق على رأس أهله إستباقيا. ومن المهم جدا التذكير بأن تدمير العراق وإيصاله إلى ما وصل اليه الآن كدولة فاشلة محكومة من طبقة من اللصوص والطائفيين العملاء لم يحدث في سنة أو سنتين، وإنما كان مؤامرة جهنمية إستمروا في تنفيذها على مدى أكثر من عشرين عاما .
هل يحدث نفس هذا الأمر والسيناريو العراقي التآمري مع ايران الآن ؟ قطعا لا . فعلى مدى أكثر من عقدين من الزمن تخوض البلدان ، أمريكا وايران حربا إعلامية تدليسية تتصاعد حدتها تارة و تخبو تارة أخرى، وفقا للنص المكتوب ولما يُراد تَمريره من صفقات وأجندات تخريبية ، ولكن العلاقة في حقيقة الأمر بينهما من تحت الطاولة سمن على عسل. فالسلاح الايراني تاريخيا لم يُوجه مطلقا إلا لصدور العرب من عراقيين وسوريين ولبنانيين، أما الخطابة والتهديدات الفارغة بإزالة إسرائيل عن الوجود، وهتافات الموت لأمريكا ، فهذه للإستهلاك المحلي وللضحك على الذقون. فلو لم تكن ايران موجودة لخلقتها أمريكا.
سياسيا أيضا، تَفَتّقت الذهنية الأمريكية ( الترامبية- الكوشنرية) نسبة إلى جاريد كوشنر العبقري، عن إكتشاف تدليسي جديد في نفس السياق ؛ ألا وهو قيام أمريكا بدفع الأنظمة التابعة لها في المنطقة (client states) لتبرير وتمرير أمرا بمنتهى الغرابة والعَجَب ؛ التقارب والتطبيع مع الكيان الصهيوني بحجة مواجهة ” ايران ، العدو المشترك” بزعمهم . وكأن الكيان الصهيوني ليس عدوا أخطر من ايران ، ولا يهدد أمن المنطقة و الأمة العربية منذ أكثر من سبعين عاما، ولا يحتل مقدسات ويشرد شعب. فهم بذلك كالذي يَستجيرُ من الرمضاء بالنار أو كالذي يهرب من الدلف ويأتي تحت المزراب. وللأمانة العلمية أقول ، بإن الدول العربية التي تسعى للتطبيع مع إسرائيل ليست جميعها تفعل ذلك خوفا من ايران أو لمواجهة ايران، ولكن بعضها يُقدم هذا الأمر كأحد الأسباب.
إذن نحن أمام حالة إستعباط مُستعصية لأنظمة حاكمة و كوميديا سوداء بكل معنى الكلمة. أنظمة مغلوبة على أمرها ، مسلوبة الإرادة ، تُؤدي الأدوار المَنوطة بها كالمُنَوًم مغناطيسا . الغريب أن سلوك هذه الأنظمة تجاه هذا العدو الوهمي ” ايران ” متناقض مع نفسه بشدة ، و يتنافى مع أبسط قواعد المنطق والحصافة السياسية والتفكير السَوّي. فايران ترتبط بعلاقات تجارية ضخمة ومزدهرة مع كل دول الخليج العربي ( دول مجلس التعاون) فالتبادل التجاري بينهم على مدار السنين يُقدر بآلاف المليارات ، والتدفقات النقدية في الإتجاهين لا يعيقها أي عائق ، وفروع الشركات والبنوك الايرانية تعمل في كل دول الخليج في وضح النهار ، وبمنتهى الأريحية ، وبدعم ورعاية رسمية ، وهناك نمو دائم ومتطرد في ميزانهم التجاري. ولا أقول أن في ذلك ضَير، بل على العكس فهذا أمر طبيعي يحدث بين الدول بحكم الجغرافيا والعلاقات التاريخية والمصالح المشتركة. .. ولكن الإدعاء بأن ايران عدو لدود ويهدد الأمن القومي لهذه الدول في ظل هذا التبادل التجاري المثالي والمصالح المتبادلة يتنافى مع أبسط أساسيات الإقتصاد السياسي ( يعني مش راكبة).
وخاصة أن لدينا من التاريخ القريب مثال العراق أيام حكم صدام حسين، فلو أن دول الخليج العربي الست طَبّقَت مع ايران ما طَبقته مع نظام صدام حسين ما بين الأعوام 1990-2003 من حصار إقتصادي وسياسي وديبلوماسي مُحكم لَخُنق الإقتصاد الايراني ولجاعت ايران ، ولجاءت تستجدي سلما على ركبتيها خلال أشهر معدودة، وإنتفت الحاجة للتسلح و صفقات المليارات ( الأتاوات). فليس سرا بأن دول الخليج العربي هي الرئتين التي يتنفس من خلالهما الإقتصاد الإيراني. فعن أي عداء يتحدثون ؟
شتان ما بين حصار ايران المزعوم الآن ، وحصار العراق في عهد صدام لمدة 13 سنة. فحصار ايران الحقيقي هو على الورق ، بينما كان حصار العراق على الأرض وبقوة السلاح والحظر الجوي المفروض والتخويف والوعيد. هل مَنعَت العقوبات الأمريكية المزعومة ايران من تصدير نفطها ؟ أبدا. فالنفط الايراني يتدفق إلى الأسواق العالمية دون عائق وايران تضرب عرض الحائط بكل التهديدات والعقوبات الوهمية الأمريكية والتصعيد الإعلامي. هل منعت العقوبات الأمريكية عن ايران حليب الأطفال واللقاحات ضد الأمراض وأقلام الرصاص كما فعلت مع العراق؟ أبدا . بل أكثر من ذلك ، إحتلت أمريكا العراق عسكريا عام 2003 وسلمته لقمة سائغة للنفوذ والتخريب الايراني. أهكذا يكون العداء ؟ ما لكم كيف تحكمون.
أما بالنسبة للإتفاق النووي مع ايران الذي وَعَد دونالد ترامب في حملته الإنتخابية عام 2016 أنه سيلغيه، وألغاه في السنة الثانية من ولايته بعد طول تهديد ووعيد، فقد فَعل ذلك على ما يبدو ، إما نتيجةً لضغوطات حقيقية من اليمين الأمريكي الصهيوني المتشدد في الكونغرس ، أو لحفظ ماء الوجه ، بعد أن تَبَجّحَ وزاوَدَ على سلفه باراك أوباما بما فيه الكفاية، حتى أصبح مُحرجا وبحاجة لعمل أي شيء ولو رمزي للنزول عن الشجرة. المهم في الأمر، أن إنسحاب أمريكا الأحادي – الجانب من الإتفاق النووي لم يُلغي الإتفاق، بل على العكس ، عززه أكثر ، بإعطاء ايران مزيدا من المرونة في المضي قُدما في برنامجها النووي ، مثلا في تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز 3.67 في المائة. وأيضا نتيجة لرفض الدول الأوروبية المُوقعة على الإتفاق الإنجرار وراء الولايات المتحدة ، بل أنتقدت هذه الدول موقف الإدارة بشدة وبقيت جميعها ملتزمة به. فالإتفاق النووي ليس إتفاقا ” ثنائيا” بين أمريكا و ايران ، بل هو متعدد الأطراف بين ايران و ( ما يُسمى ب 5+1) وهم الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن – الصين و فرنسا و روسيا وبريطانيا وأمريكا بالإضافة إلى ألمانيا ، وجميعهم أبقوا على إلتزاماتهم تجاه الإتفاق كما هي دون تغيير.
بمعنى آخر ، فإن إنسحاب إدارة ترامب من الإتفاق لم يكن إلا تغريدا خارج السرب، و خدعة إعلامية تدليسية من جانب سيد البيت الأبيض أمام الكاميرات ووسائل الإعلام، علما بأن تَعَهّد كافة الدول الأطراف الأخرى برفض هذا الإنسحاب الأحادي الجانب يعني أن إدارة ترامب تستطيع أن ( تَنقع موقفها في ماء ثم تشربه) . لأنه ليس له أي تأثير يُذكر، سواءا على المستوى الإقتصادي أو السياسي، خارج السياق الإعلامي التهريجي إياه. وأغلب الظن ، أن إدارة بايدن-هاريس القادمة سوف تتراجع عن القرار وتستمر في إحترام بنود الإتفاق -كما هو متوقع على نطاق واسع- . وأيضا بالرغم من موقف الكيان الصهيوني المُعلن الرافض للإتفاق ، ولهجة التشدد اللتي يتشدق بها الكذاب الأشر بنيامين نتنياهو حول الإتفاق وموقف إسرائيل منه ، فإنه من المشكوك به أن هذا الموقف الإسرائيلي صادق وحقيقي ، وإلا لما تمسكت به الدول الأوروبية الخمس التي تحرص على مصلحة إسرائيل أكثر من حرصها على نفسها . فكل ما هناك أن الدجال نتنياهو يمارس التهريج في لعبة الدخان والمرايا لأسباب معروفة، ذكرت بعضها آنفا.
إن التعاون الوثيق بين نظام طهران وأمريكا ( وبالوكالة اسرائيل) في العراق وحده كافي لفضح كل هذه الأفلام والتمثيليات الكرتونية وكشف زيف كل هذا التصعيد الإعلامي الزائف. قال على رأي المثل ؛ أسمَع كلامَك يعجبني أشوف أفعالك أتعجب. أما الذين يشيرون إلى مقتل قاسم سليماني بعملية أمريكية في مطار بغداد في يناير 2020 فأقول لهم أن أمريكا أيضا قَتلَت وتخلصت من أكبر عملاءها أبو بكر البغدادي ومن قبله أبو مصعب الزرقاوي وأسامة بن لادن وعماد مغنية وغيرههم كثيرين…. فهؤلاء جميعا أضرار جانبية ( Collateral damage) فعندما ينتهي دور العميل أو الوكيل أو الأداة يتم التخلص منها كورقة تواليت، وإستبدالها ، وتستمر الحياة. It is cost of doing business
علينا أن نعي جيدا أن أمريكا لا تُعادي أنظمة ، بل تعادي شعوب ، بدليل أنها تدعم كل الديكتاتوريات في العالم ، وخاصة في العالم الإسلامي. ويجب أن لا يساورنا أدنى شك بأن عداء أمريكا الحقيقي لايران موجه ضد الشعب وليس ضد النظام، فالشعب هو الذي يتأثر من العقوبات والحصار -إن وجدت- بينما يستفيد النظام من هذا العداء ” للشيطان الأكبر” في حشد أنصاره و جلاوزته من حرس ثوري و شرطة سرية و منتفعين ضد شعبه المُبتلي به. فكلما ثار هذا الشعب الايراني المسكين على جلاديه تجد إتهامات العمالة للخارج و الخيانة جاهزة لتبرير قمعه بلا رحمة، وقتلهم في الشوراع وزجهم في المعتقلات والسجون ( أنظر إحتجاجات الوقود في نوفمبر 2019، حيث قُتل فيها ما يزيد عن 1000 قتيل وجُرح سبعة آلاف ، وأيضا إحتجاجات 2009 على نتيجة الإنتخابات مثالا) . علما بأن العميل الحقيقي لأمريكا والخارج هو النظام نفسه، الذي جاء على متن طائرة الإير فرانس البوينج 747 بضوء أخضر أمريكي عام 1979.
فبالله عليكم ما هي طبيعة هذا العداء بالضبط ؟ إذا كان العداء هكذا فكيف تكون الصداقة؟ وهل يُعقل أن يُفصَل العداء السياسي عن الإقتصاد والتجارة والتمثيل الديبلوماسي والتعاون الدولي والتنسيق الإستخباراتي والديبلوماسي في كل الملفات الساخنة؟ ( العراق ولبنان مثالين) . منذ متى كان العداء حصريا بالحكي وعلى وسائل الإعلام وممتد لعشرات السنين ولا ينطوي على أي إشتباك، إلا إذا كان القصد منه هو التدليس والتضليل و إستحمار الشعوب؟ لماذا كان العداء لصدام حسين قول وفعل و كسر عظم وحصار إقتصادي خانق، بينما العداء لايران حكي فاضي وتصعيد مزيف على وسائل الإعلام فقط؟ سؤال برسم الإجابة يا محور الممانعة.
أن النظام الايراني الذي يلعب في المنطقة بملعب إسرائيل والغرب و ضمن خطوطهم الحمراء وضمن مخططاتهم المرسومة وعلى إيقاعهم ، لا يختلف كثيرا عن الأنظمة العربية التابعة، سوى أن نظام السوء الإيراني لا يُجاهر ويفاخر بالتحالف مع أمريكا كما تَفعل أنظمتنا المسلوبة الإرادة والفاقدة للشرعية، فعلاقته مع أمريكا كعلاقة محرمة بين عشيق وعشيقته تتم فقط سرا خلف الأبواب المغلقة. علما بأن تحالف أمريكا مع نظام طهران هو أوثق و أشد ضررا من حلفها مع الأنظمة العربية ، كونه حلف شيطاني خبيث هدفه نشر الخراب والفوضى الهدامة والفتن.
و في نهاية المطاف ، فان ايران وإسرائيل وأمريكا والأنظمة العربية جميعهم يلعبون ضمن سيناريو واحد كبير ( Master Plan) ويتقاسمون الأدوار ، ويوزعون الوظائف ضد عدوهم المشترك جميعا، الشعوب العربية والأمة الإسلامية، فاطمئنوا. لأن أي نظام يخرج عن النص سيتم تدميره أو إسقاطه أو محوه من الوجود، نظام صدام حسين وحكم الرئيس محمد مرسي في مصر مثالين صارخين بهذا الصدد. فإعتبروا يا أولي الألباب.
فهد السالم صقر
دبي، الإمارات العربية المتحدة
13 نوفمبر 2020
المقال يعبر عن راي الكاتب فقط