يزور وزير الخارجية مايك بومبيو، اليوم الأربعاء، مصنعاً للنبيذ في الضفة الغربية، ضمن أول زيارة لوزير خارجية أميركي لمستوطنة إسرائيلية، في هدية وداع من إدارة اتخذت خطوات غير مسبوقة لدعم مزاعم إسرائيل في المنطقة.
مصنع نبيذ “بساغوت”، الذي تم إنشاؤه جزئياً على أرض سُرقت من الفلسطينيين، يقع داخل شبكة مترامية الأطراف من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، والتي يعتبرها معظم المجتمع الدولي انتهاكاً للقانون الدولي وعقبة رئيسية أمام سلام.
ويشكّل مصنع النبيذ الحائز على عدة جوائز، والذي يقدم جولات ومناطق للحفلات، محور مساعي إسرائيل للترويج للسياحة في الأراضي المحتلة، ودليلاً قوياً على مكافحتها حملات المقاطعة أو وسم المنتجات المنتجة داخل المستوطنات، وفق “أسوشييتد برس”.
وتمثل زيارة بومبيو المتوقعة، التي أوردتها وسائل الإعلام الإسرائيلية والتي لم يتم تأكيدها رسمياً، انحرافاً عن الخط الذي اتخذته الإدارات السابقة، الديمقراطية والجمهورية على حدّ سواء، والتي دأبت على توجيه انتقادات لإسرائيل بشأن بناء المستوطنات، ولكن من دون تأثير يذكر.
وستكون الزيارة للمصنع، الذي أعلن عن منتج يحمل اسم وزير الخارجية العام الماضي، هدية أخرى لإسرائيل في الأسابيع الأخيرة من رئاسة دونالد ترامب، على الرغم من عدم اعتراف ترامب أو بومبيو بفوز الرئيس المنتخب جو بايدن.
ويمكن لهذه الزيارة أيضاً تعزيز مكانة بومبيو لدى المسيحيين الإنجيليين وغيرهم من مؤيدي إسرائيل إذا ما سعى إلى ممارسة عمل سياسي بعد انتهاء ولاية ترامب.
وتُعدّ عائلة فاليك في فلوريدا، مالكة سلسلة متاجر “ديوتي فري أميريكاز”، المستثمر الرئيسي في مصنع النبيذ. وكشف تحقيق أجرته وكالة “أسوشييتد برس” العام الماضي، عن أن الأسرة قد تبرعت بما لا يقل عن 5.6 ملايين دولار لمجموعات المستوطنين في الضفة الغربية والقدس المحتلة على مدى العقد الماضي. وتبرعت منذ عام 2000 بما لا يقل عن 1.7 مليون دولار للسياسيين المؤيدين لإسرائيل في الولايات المتحدة، من الديمقراطيين والجمهوريين، بمن في ذلك ترامب.
ندما يزور بومبيو، اليوم الأربعاء، المستوطنة المقامة على أراضي مدينة البيرة الفلسطينية وسط الضفة المحتلة، لا شك بأنه سيتذوق بعض الخمر الذي ينتجه مصنع النبيذ المُقام عليها، لكنه قد لا يكون (وقد يكون) على علم بأن هذا النبيذ أُنتج من كروم عنب سرقها المستوطنون من أصحابها الفلسطينيين، وفق “الأناضول”.
من شرفة منزله الواقع في مدينة البيرة، يشاهد المسنّ الفلسطيني عبد الجواد صالح (89 عاماً)، صباح كل يوم، أرض عائلته المصادرة التي يحتلها مستوطنو “بساغوت”، وقلبه يمتلئ بالحسرة.
يعود صالح بذاكرته إلى سنوات مضت، ويقول لـ”الأناضول”: “كنت أعمل في الأرض حيث كروم العنب (..) سُرقت الأرض وتحولت لمساكن للمستوطنين”. ويضيف: “احتلوا الأرض وشيّدوا عليها مستوطنة، ومصنعاً للنبيذ”.
ويخاطب المُسن صالح بومبيو قائلاً: “هذه أرض أجدادي، سرقها أصدقاؤك، لن نغفر لك هذا السلوك”. وتابع: “قد تشرب من نبيذ المستوطنة، وعنبها، هذا (النبيذ) دم الشعب الفلسطيني”. وأضاف: “عُمْر كروم العنب التي تعود لعائلتي أكبر من عُمر دولة الاحتلال”.
ويندّد العجوز الفلسطيني بالزيارة، داعياً الدول العربية لمقاطعة الولايات المتحدة، معتبراً أن “الزيارة تأييد للضم الإسرائيلي للضفة الغربية”.
وتمتلك عائلة صالح أراضي مزروعة بالعنب، قبل السيطرة عليها من قبل السلطات الإسرائيلية.
وتُجاور المستوطنة، المساكن الفلسطينية في مدينة البيرة.
وبالإضافة إلى صالح، يقول الفلسطيني فائق عليص (77 عاماً) إنه يمتلك أربعة دونمات (الدونم يعادل ألف متر مربع) صادرتها إسرائيل لصالح المستوطنين في “بساغوت”.
ويشدد، في حديث لوكالة “الأناضول”، على أن “زيارة بومبيو مرفوضة، وغير قانونية، ومخالفة للشرعية الدولية”. وتابع: “المستوطنة مقامة على أرض فلسطينية خاصة، والزيارة لن تجعل الاستيطان شرعياً”.
ويشير إلى أن عائلته حصلت في العام 1970 على قرار من محكمة إسرائيلية، بملكيتها للأرض المصادرة، وهو ما لم يتم تنفيذه حتى الآن.
ويضيف أن الحاكم العسكري الإسرائيلي، أصدر عام 2000 قراراً بمصادرة كل أراضي العائلة في المنطقة.
ويشرح عليص مراحل بناء المستوطنة، ويقول “في البداية تم وضع نقطة عسكرية على جبل الطويل، ونقطة مراقبة، ثم تحولت لبؤرة استيطانية ثم مستوطنة سرقت مساحات شاسعة من أراضي المدينة”.
ويوجّه حديثه لوزير الخارجية الأميركي قائلاً: “أنا فلسطيني أحمل الجنسية الأميركية، والأرض التي تعتزم زيارتها ملك شخصي لعائلتي”. ويقول: “بأي حق تَعطي وتُؤيد المستوطنين بسرقة أرضي؟”.
وفي وقت سابق، استنكر الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، إعلان بومبيو عزمه زيارة مستوطنات في الضفة الغربية، معتبراً في بيان نقلته وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا)، أن خطة بومبيو “استفزازية للشعب الفلسطيني وقيادته”.
وأضاف أن الإعلان الأميركي “يُعدّ سابقة خطيرة، تؤكد تحدي أميركا لقرارات الشرعية الدولية، وفي مقدمتها القرار رقم 2334 الذي دان الاستيطان بموافقة الإدارة الأميركية السابقة”.
ورأى أن “إسرائيل تحاول الاستفادة من الدعم اللامحدود من قبل الإدارة الأميركية الحالية، التي قدمت لها كل دعم ممكن من أجل التوسع الاستيطاني والاستيلاء على مزيد من الأراضي الفلسطينية”. وقال: “إن هذا الإعلان يعني أن هذه الإدارة الأميركية أصبحت شريكاً أساسياً في احتلال الأراضي الفلسطينية”.
ويُطلق الفلسطينيون على المستوطنة التي شُيدت سنة 1968، بعد عام واحد من احتلال إسرائيل للضفة الغربية، اسم “مستوطنة جبل الطويل”، وهو الاسم العربي للمنطقة.
(الأناضول, أسوشييتد برس)