مجيد عصفور
في الديمقراطيات العريقة يتم تداول السلطة بين الأحزاب حسب عدد المقاعد في البرلمان، فالحزب الذي يحصل على الأكثرية يُشكّل الحكومة ويتحول الحزب الذي لم يحز على الأكثرية الى حزب مُعارض، إمَّا لوحده أو بالتحالف مع أحزاب أخرى يُشكلون ما يُعرف بحكومة الظل وهي حكومة كاملة مُوازية للحكومة القائمة وظيفتها انتقاد قرارات وإجراءات الحكومة.
في بلدنا وعدة دول مثلنا الصورة مختلفة، بالنظر لعدم وجود أحزاب حقيقية قادرة على انتاج قادة يستمدون شعبيتهم من برامج تهتم بمصلحة المواطنين، القائمة على مبادئ المساواة والعدالة والحياة الفضلى، هذه المبادئ التي تكفل للجميع العيش بكرامة في وطن سيد حُر.
الحكومات عندنا تتشكل بناء على المعرفة الشخصية لرئيس الوزراء وبناء على تزكية من يثق بهم الرئيس أو تزكية المؤسسات العميقة، وفي كل الحالات يأتي الفريق الوزاري من دروب بعيدة عن بعضها منبعاً ومصباً، ولأن عمر الحكومات قصير جداً بالكاد تنشأ صداقات بين بعض الوزراء، أما الأفكار والاستراتيجيات فالسؤال عنها في حالتنا نكتة تثير الحزن أكثر من الضحك.
الوزراء في بلدنا يأتون بلا سبب ويذهبون كذلك، لكن الأدهى والأكثر ضرراً أنهم لا يُسألون عن أعمالهم بعد مغادرتهم إلاّ ما ندر.
هذا ما يخص السلطة التنفيذية، أما ما يتصل بالسلطة التشريعية، فالحال مختلف وليس مهماً درجة الاختلاف لأن العنوان المُعلن أن النواب ينتخبون من قبل الشعب.
وبغض النظر عن طريقة وصولهم إلى القُبَّة يظلون يمثلون الشعب بدرجة ما ويدافعون عن مصالحه حتى لو كان هذا الدفاع مناطقياً، ففي النهاية تكون كل مناطق الوطن تحت مظلة الحماية النيابية.
ومهما كانت درجة الرضا عن أداء النواب عالية أو منخفضة بدون شك تفرز الانتخابات ومن ثم التفاعل تحت قبة البرلمان عناصر جيدة، ترفع الأداء العام وتختلق مناخاً إيجابياً يشجع نواباً آخرين للاستفادة منه والانضمام إلى زملائهم ممن يمارسون العمل النيابي على أصوله، وقد رأينا في المجلس النيابي الثامن عشر نماذج من هؤلاء النواب الذين كانوا حُراساً مخلصين لمصالح المواطنين وللسيادة الوطنية في آن معاً.
هؤلاء بعضهم سنراه مرة ثانية في المجلس التاسع عشر بعد فوزه في الانتخابات، وبعضهم سيغيب إما لانه لم يفز لاسباب نؤجل الخوض فيها، ولانه لم يترشح اصلاً، ايضاً لاسباب مؤجلة البحث.
ولان النواب يختلفون عن الوزراء سواء في طريقة وصولهم للموقع او في الاختصاص او في مدة المكوث في المنصب وبالرغم من كل الانتقادات التي وُجهت لاعضاء المجلس الثامن عشر إلا ان اداء عدد منهم كان مميزاً ومُقدراً ومطلوباً من قبل شريحة واسعة من المواطنين سواء الذين انتخبوهم او الذين تعرفوا عليهم من خلال ادائهم تحت القبة وغياب هؤلاء عن القبة لا يعني انتهاء تمثيلهم للناس وتطلعاتهم وبالتالي لا يقبل توقفهم عن العطاء وهم ما زالوا في علو الهمة والقدرة.
إن النائب الذي يختار القعود بعد انتهاء فترة النيابة هو نفسه الذي كان قاعداً اثنائها، أما الذين كانوا منشغلين بقضايا الناس والوطن فإن شغلهم لم ينته.
أعرف ان الرجال الشرفاء لا يحتاجون إلى من يرشدهم إلى دروب الخير وأعرف أنهم لا ينتظرون دعوة من أحد للعمل من اجل خدمة الناس والوطن، لكن هذه الدعوة تستهدف توحيد الجهود وابقاء التنسيق والتشبيك وحتى لا يظل الجهد مبعثراً وفردياً ما المانع من اقامة تجمع او منتدى يضم هؤلاء النواب يكون بمثابة برلمان ظل يبقى على صلة بقضايا الوطن بشكل منظم.
إن العمل السياسي والخدمة العامة ليس لهما مكان واحد ومن غير المعقول أن ينتظر عدد من قامات كان أصحابها نجوم البرلمان الماضي أربع سنوات لمعاودة العمل من تحت القبة بعد أن كانوا محط الأمل والرجاء للمواطنين الذين تعلقوا بهم ورأوا في وجودهم ضمانة تحمي مستقبلهم ومستقبل ابنائهم.
عمون