البرلمان الأردني الجديد: رصاص الفرسان وخواء البرامج

صبحي حديدي

ذات صباح غير بعيد في الزمن، أواخر أيار (مايو) 2016، صوّت البرلمان الأردني بالأغلبية على حظر مساهمة الشركات الإسرائيلية في صندوق الاستثمار الأردني؛ ولكن، في مساء اليوم ذاته، عاد البرلمان وصوّت من جديد، لصالح المشاركة الإسرائيلية هذه المرّة. مثال كلاسيكي، كما يرى الكثيرون، على الدور الفعلي لمجلس النواب في آلية القرارات ذات الصفة الحساسة، سياسية كانت أم اقتصادية أم أمنية.

فإذا جسّد هذا المثال مفاعيله في انتخابات المجلس ذاته لهذا العام، فإنّ جائحة كوفيد-19 وإجراءات الإغلاق وزيادة الإصابات ومعدّل الوفيات، ليست السبب الأبرز وراء نسبة المشاركة المتدنية التي لم تبلغ 30%؛ خاصة إذا رُصفت إزاء هذا الرقم سلسلةُ أرقام أخرى مثيرة للاهتمام: 1674 مرشحاً، بينهم 360 امرأة، في تنافس على 130 مقعداً؛ و4.139 مليون ناخب مسجل؛ و1880 مركز اقتراع، على امتداد 23 دارة انتخابية؛ و47 حزباً سياسياً، من أصل 48!

الحصيلة، في المقابل، لا تؤكد استمرار مفاعيل انتخابات المجالس السابقة لجهة عزوف المواطن، إجمالاً، عن محض الثقة، فحسب؛ بل هي تعيد تثبيت الحصيلة النتائج المعروفة مسبقاً، حول سيطرة العشائر ورجال الأعمال، مع فارق ارتدادي إلى الخلف يمثله هذه المرّة عجز المرأة عن الفوز بأيّ مقعد خارج الحصة النسائية المقرّرة، وكذلك تراجع المعارضة (في مثال “جبهة العمل الإسلامي” واجهة جماعة “الإخوان المسلمين”) والفشل الذريع للأحزاب الليبرالية والقومية واليسارية و”الممانعة”… جمعاء!

وفي ورقة بعنوان “تطوير نظامنا الديمقراطي لخدمة جميع الأردنيين”، كتبها مطلع العام 2013 وينشرها في موقعه الشخصي على الإنترنت، أبدى الملك الأردني عبد الله الثاني حماساً واضحاً لانتقال البلاد إلى “الحكومات البرلمانية الفاعلة”، التي تعتمد على “ائتلاف الأغلبية في مجلس النواب والحكومة”. وإذْ أكد الحاجة إلى “بروز أحزاب وطنية فاعلة وقادرة على التعبير عن مصالح وأولويات وهموم المجتمعات المحلية ضمن برامج وطنية قابلة للتطبيق”، فإنّ العنصر الثاني في متطلبات التحوّل الديمقراطي الناجح هو تطوير الجهاز الحكومي “على أسس من المهنية والحياد”، والعنصر الثالث هو “تغيير الأعراف البرلمانية من خلال تطوير النظام الداخلي لمجلس النواب”.

والحال أنّ الانتخابات الأخيرة أعادت إنتاج حصيلة تقريبية مماثلة لتلك التي أنتجتها معظم الانتخابات السابقة منذ عام 1989، من أنّ تمنيات الملك وأداء البرلمان ومجلس الأعيان والحكومات المتعاقبة في واد، والمواطن الأردني وهمومه ومشاغله ومشكلاته ومستوى معيشته وعمله وطالته وخدماته واقتصاده… في واد آخر. ولم تكن مفارقة طارئة أنّ يذكّر الملك بأنّ البلد “دولة قانون”، ليس على خلفية أي انتهاكات دستورية أو قانونية أو برلمانية، بل لأنّ صليات “الرصاص الأحمر” لعلعت في سماءات المحتفلين بفوز هذا النائب أو ذاك، وظهرت بين الأيادي أنواع من الأسلحة التي لا يمكن أن تكون دولة القانون إياها قد رخّصت امتلاكها.

وفي مقابل البلاغة الطنانة في تسميات القوائم (“الإصلاح الوطني”، “الحق”، “فرسان الغد”، “النخبة”، “الشهامة”، “الهمّة”، البيرق”، “النشامى”، الليمونة”…)؛ كان ثمة خواء فاضح في البرامج الاجتماعية والاقتصادية، سواء المحلية منها التي تخصّ المناطق والمحافظات، أو المركزية التي تشمل كامل البلد. وهذا بدوره مؤشر على عزوف المواطن الأردني عن تلمّس المضمون البرنامجي وراء كلّ قائمة، وفيه أيضاً الكثير من معطيات تفسير الفشل الذريع الذي مُنيت به الأحزاب السياسية، دون استثناء في الواقع.

الأرجح أنّ البرلمان الجديد العتيد لن يعدم “نهفات” مماثلة لتلك التي شهدتها برلمانات سابقة (دعاء “الله ينتقم من إللي جاب الكوتا تحت القبة”، أو “كشرتك بتقطع الرزق، إضحك كي لا تكون سبباً في حجب الثقة”، أو نصائح ابتياع الملوخية، أو العراك والسباب وإشهار السلاح داخل البرلمان…). ولعلّ التراجع عن إشراك الاستثمارات الإسرائيلية لم يكن أكثر تلك الوقائع فداحة، فالقادم قد ينجلي عمّا هو أدهى وأعظم!

القدس العربي

المقال لا يمثل رأي منصة سفن ستارز ولا يعبر عنها