بقلم المستشارة التربوية: بشرى سليمان عربيات
يعاني التعليم منذ أشهر من قراراتٍ مجحفةٍ بحق الطلبة وبحق التعليم، حين قررت وزارة التربية والتعليم قرارَ التعليمِ عن بُعد، في وقتٍ لم تكن هناك حاجةً ملحةً لذلك، واستمر الحال حتى اليوم، ولا توجد تبريرات واضحة من الوزارة سوى عبارةٍ واحدة تتكرر وهي أن صحة الطلبة من أولى أولوياتهم، ولم تدرك وزارة التربية والتعليم بعد أن الطلبة ليسو معزولين عن المجتمع، وأن تغيبهم عن المدارس يعني أن هناك عدداً كبيراً من الطلبة في المرحلة الأساسية الدنيا والعليا متسربين من التعليم، إذ أن متابعة تسرب الطلبة في هذه المراحل هي مسؤولية وزارة التربية والتعليم،فكيف يمكن للوزارة متابعة التسرب عن بعد؟
لقد صدرت تصريحاتٌ عديدةٌ عن وزارة التربية والتعليم تشيرُ إلى أن حوالي مليون طالب فقط قد شاركوا في منصة درسك، وأريد أن أطمئن وزارة التربية والتعليم أن هذا العدد هو عدد الأشخاص الذين حاولوا التعرف على هذه المنصة ولا يعني ذلك بالضرورة أن يكون هذا العدد من الطلبة، ولو فرضنا جدلاً أن هذا العدد هو مليون طالب فإنه يقل عن نصف عدد الطلبة في المدارس، بما فيها المرحلة الأساسية والثانوية، فكيف يمكن لوزارة التربية والتعليم إعطاء هؤلاء الطلبة حقهم من التعليم؟ وكيف يمكن للوزارة التأكد من وصول خدمة التعليم إلى جميع الطلبة؟
بالتأكيد أن هناك إجابات جاهزة لدى الوزارة، لكنها للأسف غير منطقية، إذ أن أبسط إجابة كانت لهم في عملية التقييم الإلكتروني قبل فترة، والتي أشارت إلى أن حوالي 82% شخص قد شاركوا في هذه العملية، وأقولُ شخص وليس طالباً، لأنه كما نعلمُ جميعاً أن معظم الطلبة نائمين أو هائمين على وجوههم، وأن الأهالي هم من كان يتقدم لتلك الإختبارات التقييمية، وقد اعترفت وزارة التربية والتعليم بذلك على إحدى الشاشات المحلية!! وقد كنت أستغرب من تصريحات الوزارة قبل ذلك وثقتهم بأداء الطلبة، وكأن الوزارة قامت بوضع كاميرات مراقبة في كل بيت من بيوت الأردنيين!
لو فرضنا جدلاً أن 82% نسبة صحيحة – وهي ليست كذلك بالتأكيد-، ولكن ما مصير 18% من الطلبة الذين لم يتقدموا للإختبارات التقييمية، بل لم يتقدم أحدٌ من أولياء أمورهم عنهم؟هل ستكون نتيجتهم الإخفاق في الإمتحان؟ أم ستتكرر مهزلة نتائج الثانوية العامة في بقية المراحل الدراسية؟!
هل تعلمون يا وزارة التربية والتعليم كم عدد الأطفال المتسربين من التعليم عن بعد؟ وكم عدد اليافعين الذين يعملون في محلات الخضار والمحلات التجارية، ليحصل كل واحدٍ منهم على مصروف يومه؟ هل تدركون يا وزارة التربية والتعليم حجم الإخفاق في التعليم عن بعد؟ ليصبحَ بعداً عن التعليم؟ هل تدركون يا وزارة التربية والتعليم عِظَم المسؤولية التي أضعتوها؟ وهل تدركون أن مسؤولية هذا الجيل وأجيال قادمة في أعناقكم إلى يوم الدِّين؟
إن التعليم لا يُختزل بفيديوهات مسجلة، ولا يقتصر على فئة من المعلمين والمعلمات الذين شاركوا في المنصات، التعليمُ رسالةُ الأنبياء قبل أن تكونَ هناك وزارات للتربية والتعليم، التعليمُ رسالةُ الشرفاء قبل أن يصبح التعليم تجارة بين يدي هذا وذاك، التعليمُ منبرُ عطاءٍ لا يدركه إلا الأوفياء، التعليمُ حقٌ لا تمنُّون به على الفقراء والضعفاء، التعليمُ لا يتحقق عن بعد ولو كنتم تتعذرون بحماية الطلبة من وباء! التعليمُ لا يكون فاعلاُ إلا داخل المدرسةِ لمعرفة كيف تصل المعلومة إلى جميع الطلبة سواء! التعليمُ ليس لطبقة الأغنياء دون الفقراء! التعليمُ يعاني من قراراتٍ مجحفةٍ بحق الطلبة البؤساء! وما زلتم تقولون أنكم نجحتم؟ لا، لم تنجحوا لأن كل ما تقومون به من عملٍ سيذهبُ هباء! لم تقوموا بحماية المتسربين من منصاتكم العقيمة ولذلك أنتم سواسية مع من يساهم في نشر الوباء! أعيدوا الطلبة إلى مدارسهم، إلى الحرمِ المدرسي الذي يحميهم من الجهل ومن الشوارع ويحميهم من شرِّ الوباء والغباء.